تحظى الإنتخابات الأمريكية بشكل عام والانتخابات القادمة باهمية خاصة لدى معظم إن لم يكن جميع دول العالم لعوامل من أهمها :
— ما تتمتع به من قوة عسكرية وإقتصادية .
— قيادتها شبه المنفردة للعالم منذ إنهيار الإتحاد السوفياتي .
— النفوذ والهيمنة السياسية والإقتصادية على معظم دول العالم مما مكنها بحكم سطوتها توظيف مجلس الأمن والعلاقات الثنائية والإقليمية خدمة لمصالحها .
إنتخابات الثالث من تشرين الثاني 2020 :
ما يزيد إهتمام العالم بالانتخابات الرئاسية القادمة والتطلع الى من سيقود الولايات المتحدة الامريكية في المرحلة القادمة التي قد تطول تداعياتها لفترة زمنية تزيد عن مدة الدورة القادمة بروز عوامل أو مؤشرات ستحدد مستقبل علاقات امريكا مع دول العالم التي شهدت توترات وخلافات حادة إبان الدورة الأولى للرئيس ترامب مع اصدقاءها وحلفائها التاريخيين في إشارة واضحة إلى بداية مرحلة تؤذن بالإبتعاد والإنفكاك التدريجي عن المظلة الأمريكية وترسيخ بروز مثلث متساوي الاضلاع يتولى قيادة العالم تتكون اضلاعه من أمريكا ومن روسيا والصين ومن الإتحاد الأوروبي بغالبيته الساحقة .
بناءا على ما تقدم فإن نجاح الرئيس ترامب لدورة ثانية سيعزز هذا النهج نهج العدوانية والغطرسة وفرض الإرادة العاكسة لعنجهية القوة بديلا عن مبدأ الحق وقوة القانون الدولي اساس النظام العالمي وذلك في حال إستمرار ترامب بإحاطة نفسه بنسخة طبق الاصل لذات الفريق إلاداري وإلاستشاري الصهيوني العنصري السادي المتطرف الذي قاد دورته الأولى .
أما في حال نجاح مرشح الحزب الديمقراطي بايدن بتولي رئاسة أمريكا فهذا النجاح وإستنادا الى تصريحاته التي تلخص إستراتيجيته فمن الطبيعي ان يمضي نحو إنتهاج سياسة مغايرة كليا لسياسة ترامب التي قوضت مبدأ المواطنة في تهديد مباشر لوحدة المجتمع الامريكي والعمل على إعادة بناء معادلة التوازن في العلاقات الأمريكية الدولية بهدف الحفاظ على المصالح والنفوذ الأمريكي الممتد على الساحة العالمية الآخذ في التراجع وهذا يمثل تحديا كبيرا وحقيقيا أمام قدرة بايدن وفريقه بالنجاح في إعادة ترميم ما تم ردمه في عهد ترامب وخاصة على الصعيد الاوربي والعمل على إعادة الثقة بالاعتماد على القوة الضاربة الأمريكية للإستمرار في قيادة العالم والحلف الأطلسي الذي من المفترض انه يمثل المظلة الحامية والواقية للأمن الأوربي .
تداعيات الإنتخابات على الملف الفلسطيني :
بالتأكيد فإن لنتائج الإنتخابات تداعيات سلبية وايجابية على صعيد القضية الفلسطينية تعتمد على شخص من سيتبوأ رئاسة امريكا تلك التداعيات متمثلة في عناوين رئيسية من اهمها حق الشعب الفلسطيني بالتحرر من نير الإستعمار الصهيوني العنصري وحقه بتقرير المصير وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس تنفيذا للقرارات الدولية ذات الصلة وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى مدنهم وقراهم التي طردوا منها عنوة عام 1948 .
لذا من المهم أن نستعرض سيناريوهات تأثير وتداعيات نتائج الإنتخابات الأمريكية على مآلات مستقبل القضية الفلسطينية في حال نجاح :
أولا : ترامب لدورة رئاسية ثانية .
ثانيا : بايدن لدورة رئاسية أولى .
أولا : نجاح ترامب :
تميزت سياسة ترامب بدورته الأولى ” وقد تكون الأخيرة وفقا لاستطلاعات الرأي” بالإنحياز الأعمى والمطلق لسياسة وأهداف مجرم الحرب نتنياهو العدوانية والتوسعية بما يمثله من رمز وعنوان لمعسكر الإرهاب والتطرف والعنصرية وتوظيف الإمكانيات والقدرات الأمريكية في خدمة الحركة الصهيونية وأهدافها العدوانية التوسعية .
كما تميزت دورته بالإنقلاب على مبادئ الأمم المتحدة وميثاقها وعلى الشرعة الدولية وعلى مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان ودعمه لإدامة الإستعمار الصهيوني العنصري لفلسطين والجولان ولسيادة حق القوة الغاشمة ومنح حق العدوان والتوسع لصالح الدولة القوية عسكريا على حساب الدولة الأضعف في خرق وإنتهاك صارخ لميثاق الأمم المتحدة .
كما تميزت دورته بإستخدام كافة وسائل وادوات الضغط المباشرة وغير المباشرة على القيادة الفلسطينية ورمزها الرئيس محمود عباس بهدف إنتزاع موافقة على خطة ترامب التآمرية والتي لا تمثل في الواقع إلا خطة ومشروع نتنياهو ” صفقة القرن ” الذي يجسد نموذجا :
— لغطرسة وعنجهية القوة .
— إعتداء وإنتهاك صارخين لمبادئ القانون الدولي ولميثاق الأمم المتحدة وقراراتها وأهدافها .
— إنقلاب على قيم حقوق الإنسان وعلى رأسها حق كل شعب بتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة .
— تحد ورفض لإرادة المجتمع الدولي الحر المتجسدة بقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة بتصفية الإستعمار ” فلم تبقى دولة وشعبها تحت نير الإستعمار سوى فلسطين ”
خطوات تصعيدية قادمة :
هذه السياسة الترامبية مرشحة للتصعيد في الأسابيع القليلة القادمة ومستمرة حتى العشرين من شهر كانون الثاني لعام 2021 في حال فشله بالانتخابات وبالطبع طوال دورته الثانية إن تم التجديد له .
ومن مظاهر التصعيد اللجوء إلى :
● محاولة فرض حصار كامل على الرئيس أبو مازن وأركان القيادة الفلسطينية لعدم خنوعها وإذعانها لشرطي العالم الشرير ترامب وإدارته و لتمسكها بالثوابت الفلسطينية التي اقرها المجلس الوطني الفلسطيني ولرفض مؤامرة القرن التي عول عليها ترامب لدعم حملته الإنتخابية وشجاعة القيادة في التصدي لمؤامرة تصفية القضية الفلسطينية .
● تجفيف مصادر تمويل دولة فلسطين تحت الاحتلال عبر ممارسة الضغط على ما تبقى من دول عربية مستمرة في تقديم إلتزاماتها سواء بشكل كامل أو جزئي لوقف دعمها المالي عقابا للشعب الفلسطيني الداعم والملتف حول قيادته الشرعية الرافضة لتقديم أي تنازل عن الحد الأدنى للحقوق الوطنية الفلسطينية المكفولة بالقرارات الدولية .
● الضغط على دول الإتحاد الأوروبي لوقف دعمها السياسي والإقتصادي للسلطة الوطنية الفلسطينية وحثها على التوقف عن تبني سياسة دعم كافة الجهود لإنهاء الإحتلال الإسرائيلي العنصري للأراضي الفلسطينية المحتلة إثر عدوان حزيران عام 1967 وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية على الأصعدة الاقليمية والدولية .
● إستهداف الرئيس محمود عباس القائد الشجاع المؤتمن والأمين على حقوق الشعب الفلسطيني الرافض بشدة وصلابة لإعادة اللقاءات مع الرئيس ترامب وإدارته قبل الانتخابات وبالتاكيد بعدها في حال التجديد لترامب ومضيه قدما نحو فرض تنفيذ مشروع نتنياهو ترامب التآمري على أرض الواقع ظانا أن إستسلام بعض الأنظمة لأوامره بالإعتراف بالكيان الصهيوني خلافا لقرارات القمم العربية والإسلامية وللمبادرة العربية التي قدمتها السعودية واقرتها قمة بيروت عام 2002 أنها ستؤدي إلى إضعافه تمهيدا لعزله متناسين أن الشعب الفلسطيني داخل الأرض المحتلة وخارجها موحد خلف قيادته وإستراتيجيته في مواجهة المؤامرات والمضي بكافة أشكال المقاومة السلمية والمكفولة دوليا حتى التحرر من نير الإستعمار الصهيوني العنصري .
● إطلاق يد مجرمي الحرب بضم ومصادرة الأراضي وبناء المستوطنات وإرتكاب كافة اشكال الجرائم بحق الشعب الفلسطيني الأعزل من السلاح .
ثانيا : نجاح بايدن :
أما السيناريو المرجح وفقا لاستطلاعات الرأي بفوز المرشح الديمقراطي بايدن لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية عندئذ هذا الفوز سيشكل نكسة بل هزيمة نكراء لمجرم الحرب نتنياهو ومعسكره وحلفاءه جديدها وقديمها ستؤدي الى تفاعلات جديدة عنوانها :
▪ الإعلان عن إيقاف مشروع صفقة القرن لتناقضه مع القانون الدولي ومع القرارات والإتفاقيات الدولية وعدم الإعتراف بشرعية أي إجراء نفذ على الأرض تم خلافا للقانون الدولي من قبل سلطات الإحتلال الإسرائيلي .
▪ إستئناف الإتصالات والعلاقات الفلسطينية الأمريكية بمشاركة دولية على قاعدة إنهاء الإحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس على حدود الرابع من حزيران لعام 1967 ووفق القرارات الدولية ذات الصلة .
▪ إلغاء كافة القرارات السياسية والإقتصادية والمالية التي إتخذتها إدارة ترامب كاجراءات عقابية ضاغطة على الشعب الفلسطيني وقيادته الشرعية ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني .
ما العمل فلسطينيا :
في حال نجاح ترامب :
نجاح ترامب سيدفع بالقيادة الفلسطينية إلى احد خيارين :
— إما الرضوخ لضغوط ترامب وإدارته المتصهينة وهذا خيار غير وارد لدى الشعب الفلسطيني وقيادته على حد سواء فما لم يكن مقبولا في دورته الاولى لن يكون أيضا مقبولا في دورته الثانية إن حصلت .
— مقاومة مؤامرة الثنائي نتنياهو ترامب وهذا يتطلب حشد جميع قوى الشعب الفلسطيني تحت لواء برنامج وطني نضالي وفق إستراتيجية مقاومة متوافق عليها من الكل الفلسطيني .
— تفعيل قرارات إجتماع الامناء العامين بتصعيد المقاومة الشعبية وتعزيز قدراتها وإمكانياتها في مواجهة قوات الاحتلال الصهيوني وإستنزاف قواته النظامية والمليشية ممن يطلق عليهم مستوطنين بينما هم في الواقع مجرمين بكل ما تحمله الكلمة من معنى ولكن بترخيص رسمي من حكومة إرهابية يرأسها مجرمي الحرب نتنياهو وغانتس .
— دعم وبذل كافة الجهود لتشكيل جبهات دولية بالتوازي مع نظيراتها لمساندة ودعم حق الشعب الفلسطيني بالحرية والإستقلال وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس على كافة المستويات والمسارات السياسية والدبلوماسية والحزبية والبرلمانية ومؤسسات المجتمع المدني والفكرية والإعلامية لتشكل عامل ضغط لإرغام سلطات الإحتلال الإسرائيلي الإستعمارية وداعميها على إنهاء إحتلالها لكامل الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عدوان حزيران عام 1967 وتنفيذ كافة القرارات الدولية ذات الصلة تحت طائلة عزل الكيان الصهيوني بما يمثله من إستعمار إحلالي وفرض عقوبات تصل إلى تجميد عضويته في الأمم المتحدة لانتفاء شروط قبولها عضوا عاملا .
— بناء شراكات في دول العالم مع القوى السياسية والشعبية بهدف تنظيم فعاليات ” مسيرات واعتصامات وندوات ومحاضرات ” داعمة للحقوق الفلسطينية ورافضة وفاضحة لكافة المؤامرات والجرائم التي تستهدف النيل من صمود ونضال وهوية ووجود الشعب الفلسطيني في وطنه التاريخي .
في حال نجاح بايدن :
نجاح بايدن يستدعي منذ الان العمل على تشكيل وفد مشترك عربي وأسلامي ومن دول صديقة تؤمن بقوة الحق وسمو حقوق الإنسان والعهود والمواثيق والاتفاقيات الدولية يتولى الإتصال بالحزب الديمقراطي المرشح لقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وحثها على تبني إستراتيجية قائمة على :
— ممارسة ضغوط تهدف إلى إرغام سلطات الاحتلال الإسرائيلي لتنفيذ إلتزاماتها وفق إتفاق المرحلة الانتقالية المبرم برعاية أمريكية عام 1993 خلال ايام معدودة تمهيدا للإنتقال إلى تنفيذ الإنهاء الكامل للإحتلال .
— المبادرة إلى عقد مؤتمر دولي بصلاحيات ملزمة يتولى وضع جدول زمني يلزم سلطات الاحتلال الإسرائيلي العنصرية بأنهاء إستعمارها لأراض الدولة الفلسطينية الواقعة تحت الإحتلال والمعترف بها عضوا غير مصوت في الأمم المتحدة .
— إزالة العقبات امام الإعتراف الكامل بالدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس على حدود الرابع من حزيران تنفيذا للقرارات الدولية ذات الصلة .
رسالة الشعب الفلسطيني :
بالرغم من حجم المؤامرات التي يقودها الثنائي نتنياهو ترامب وادواتهم بما يملكونه من قوة عسكرية وإقتصادية ومالية يقابلها قوة الشعب الفلسطيني وإيمانه بعدالة قضيته وإيمانه بالإنتصار على قوى الشر والعدوان والإستعمار إنما يرسل رسائل متعددة الاتجاهات تتضمن :
أولا : أن الشعب الفلسطيني لن يفت من عضده ولن تضعف إرادته ولن يركع أو يستسلم أمام الضغوط الترامبية النتنياهوية فالركوع والاستسلام والخنوع صفة الجبناء والعملاء .
ثانيا : أن الشعب الفلسطيني يقف موحدا خلف قيادة الرئيس أبو مازن رئيس م ت ف بإستراتيجيته لمواجهة المؤامرة عبر إعادة ترتيب البيت الفلسطيني وحشد كافة قواه تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني .
ثالثا : أن الشعب الفلسطيني سيلفظ من بين صفوفه كل من يرهن قراره لدى جهة خارجية او يعمل على إدامة الانقسام الناجم عن ما يسمى الحسم العسكري تحت ذرائع مختلفة فالمؤامرة لن تستثني احدا من مكونات الشعب الفلسطيني فالقرار الفلسطيني المستقل الذي خطه الرئيس الشهيد ابو عمار ورسخه ودافع عنه رفيق دربه القائد الحكيم محمود عباس يمثل ركنا أساس للإنتصار على العدو الصهيوني الإرهابي .
رابعا : الشعب الفلسطيني داخل الأرض المحتلة وخارجها يؤكد إلتفافه ودعمه لمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب ذلك التمثيل الذي انتزعه بكفاحه ونضاله عبر سنوات قدم خلالها الشعب آلاف من الشهداء والجرحى والأسرى .
خامسا : رسالة خاصة للمجتمع الدولي الذي تراخى بالإنتصار لحقوق الشعب الفلسطيني واغمض العين عن جرائم الكيان الصهيوني تارة وتبرير جرائمه تارة أخرى مما يستدعي وقف الازدواجية وفرض إحترام القانون الدولي ومبادئ وأهداف الأمم المتحدة .
نعم لقوة الحق. … لا لحق القوة. .. لا مكان لقوى الإستعمار على أرض فلسطين التاريخية. ..
الإنتخابات الأمريكية… وتداعياتها …عامة … فلسطينيا خاصة ؟ د فوزي علي السمهوري
3
المقالة السابقة