عروبة الإخباري – كتب محمـد الرنتيسي
ربما لن يتمكّن بروفايل قصير القامة بعدد كلماته، أن يسرد سيرة غنية، ويطل على شخصية ذات تجارب متنوعة، لكن لضيق المساحة، آثرنا أن نحفر بعمق، في تاريخ شخصية فلسطينية قيادية، للعثور على ما تكتنزه من تجارب، والوقوف على مستوى غناها.
اللواء جبريل الرجوب، القيادي الفلسطيني الذي يضع قدماً هنا، وأخرى هناك، فتراه في السياسة وفي الرياضة، وقد أدمنته سجون الاحتلال والمنافي.
ما تؤكده شخصية «أبو رامي» الذي أمضى أكثر من 50 عاماً في العمل النضالي والسياسي، أنه واضح ومباشر في مواقفه، لا يتستّر وليس لديه ما يخفيه، وما يقوله أو يفعله في اجتماعاته الرسمية، يجهر به في العلن، وربما اعتُبر هذا أقوى أدواته، وأنجع أسحلته في العمل الدبوماسي أو الرياضي على حد سواء، وليس هناك ثمة تناقض في مواقفه، التي يصرّ عليها، ويقنع الآخرين بجدواها، وهو متابع نابه لما يدور حوله، ومستمع جيد لما يُطرح من مواقف وآراء.
نشأ جبريل الرجوب على العمل الوطني والنضالي، فاعتقل لأول مرة على أيدي سلطات الاحتلال وهو بعمر 15 عاماً، لمدة أربعة أشهر، وفي السجن التقى مع قيادات فتحاوية، مهّدت له الطريق للانضمام إلى الحركة في سن مبكّرة.
عاد إلى السجن العام 1970، ولكن هذه المرّة بتهمة إلقاء عبوة ناسفة على ناقلة جند إسرائيلية، وتشكيل تنظيم مسلح، ليقضي حُكماً قوامه 17 عاماً، وخلال اعتقاله، قاد الإضراب الشهير للأسرى في سجن نفحة العام 1980، والذي استمر لـ33 يوماً، واستشهد على إثره ثلاثة أسرى، لكن هذا الإضراب حقق إنجازات لافتة للحركة الأسيرة.
في العام 1985، أطلق سراحه في صفقة تبادل بين دولة الاحتلال والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة، بزعامة أحمد جبريل، لكن أعيد اعتقاله مرة ثالثة ورابعة، ومع اندلاع الانتفاضة الأولى تم إبعاده عن أرض الوطن، قبل أن يعود إلى فلسطين العام 1994، مع تشكيل السلطة الفلسطينية، حيث أسس وترأس جهاز الأمن الوقائي.
دخل الرجوب المعترك الرياضي العام 2008، في مهمة بدت شبه مستحيلة، للنهوض بالواقع الرياضي الفلسطيني، وراهن كثيرون على فشله باعتباره رجل السياسة والنضال، ولا علاقة له بالرياضة، ومنهم من قال إنه جاء إلى الرياضة بـ»البراشوت»!. لكن إنجازاته بدأت تظهر بسرعة، ليصنع لفلسطين مجداً رياضياً طال انتظاره، ويحقق لها انجازات لافتة، أبرزها اعتماد الملعب البيتي، ونيله في العام 2013 جائزة محمـد بن راشد للإبداع الرياضي.
منذ تموز الماضي، تصدّى أبو رامي لملف المصالحة الفلسطينية، في مهمة جديدة، تختزل مواقف سابقة له، إذ إن اللواء الرجوب ومنذ يومه الأول في الميدان الرياضي، تمسّك بشعار واضح الملامح والقسمات، وهو أن الرياضة الفلسطينية ما هي إلا وسيلة نضالية لتسجيل «أهداف» سياسية، لكنها ستبقى عصيّة على أي تجاذبات حزبية، وبالفعل جسدت الرياضة وحدة فلسطينية قل نظيرها، فلا فرق عند أبو رامي بين فتحاوي وحمساوي وجبهاوي.. إلا بمقدار عطائه وانتمائه.
وما بين المؤتمر الصحفي المشترك مع القيادي الحمساوي صالح العاروري، واستقباله للقيادي في حركة حماس الشيخ حسن يوسف، عقب تحرره من سجون الاحتلال، ولاحقاً التقاؤه مع مسؤولين في حماس ومختلف الفصائل الفلسطينية في كل من إسطنبول والدوحة وبيروت ودمشق، أصبح الرجوب محطّ رهان الكل الفلسطيني، بأن تنعكس «روحه الرياضية» ونجاحه المبهر في الرياضة، على ملف المصالحة، لا سيما وأنه معلوم للجميع بأن أبو رامي، لا يفشل بأي مشروع يقوده.. وكما يقولون عنه بالعربي الفصيح: «إذا قال فعل.. وإذا حط شيء في راسه بعمله».جبريل الرجوب.. مهمّات غير مستحيلة