في إطار المراجعة الشاملة التي نشهدها على شكل ومضامين امتحان شهادة الثانوية العامة بشكل خاص، والتعليم العام والعالي بشكل عام، فإنه لحريّ بنا اليوم الوقوف على أهم ثغر من ثغور التعليم العام وهو التعليم الثانوي المهني الذي تعول عليه الاستراتيجيات الوطنية التي تسعى إلى ربطه بسوق العمل الذي يحتاج لعمالة وطنية فنية متخصصة وماهرة لسد النقص الحاصل نتيجة الطلب المتزايد على هذه المهن والحرف التي يستحوذ عليها عدد كبير من العمالة الوافدة.
إن التعليم الثانوي المهني التابع لوزارة التربية والتعليم يعيش دوامة حقيقية شتت أهدافه، وابتعدت عن موجبات وجوده التي كان هدفها الأساس هو رفد السوق المحلية بالأيدي الماهرة من فنيين مختصين يغطون حاجة السوق المحلية ومتطلباته لا أن يصبح نافذة أخرى لزيادة البطالة وأعداد العاطلين عن العمل .
وهنا ينبغي الإشارة إلى الخطة الوطنية الطموحة التي تطلقها جامعة البلقاء التطبيقية في مجال التعليم الجامعي المهني الفني، فهذه فرصة ذهبية لإعادة هيكلة البرنامج المهني/التقني على مستوى المدرسة وكليات المجتمع والجامعات بشكل متوازن بحيث نضمن تحقيق الأهداف الوطنية التوجيهية التي تخدم الوطن في تمكين الشباب ورفد سوق العمل بالعمالة الوطنية التقنية والفنية الماهرة التي تزيد من فرص العمل للشباب وتحد من البطالة التي أصبحت غولاً يفترس أحلامهم ويحبط طموحاتهم المستقبلية.
أما مسار التعليم الثانوي المهني الحالي فهو عام لا خصوصية فيه، وما نبحث فيه لتجويد الواقع وجعله أكثر فاعلية على المتعلم وعلى سوق العمل؛ لذلك ينبغي وضع مبادىء أساسية توضح مسار هذا النوع من التعليم الذي تقوم عليه وزارة التربية والتعليم كمخرجات ليلتقي مع ما هو موجود في وزرة التعليم العالي كمدخلات يفترض أن تكون مخرجاتها إيجابية على سوق العمل والخريجين؛ فعند اختيار الطالب لمسار التعليم الثانوي المهني علينا أن نحدد أن هذا المسار سيذهب باتجاه الدراسة الجامعية في فروع التعليم المهني أو أن هذا المسار سيذهب بالطالب إلى كليات المجتمع والحصول على الشهادة الجامعية المتوسطة (الجانب التقني/الفني) وهو ما يحتاجه سوق العمل، أو أن هذا المسار سيقف به القطار عند محطة الثانوية العامة فقط، دون الاستمرار في الدراسة، والانخراط في سوق العمل مباشرة.
إن اختيار التعليم الثانوي المهني ليكون رافداً لسوق العمل كخيار استراتيجي يضعنا أمام مسار وسطي-توفيقي يأخذ بالحسبان مسألتين مهمتين، وهما: الجانب النظري الأكاديمي، والجانب العملي المهني الذي يكسب المتعلم/المتدرب كفايات أساسية تعينه على الولوج في سوق العمل بشكل سريع والانعتاق من إسار البطالة، وسد العجز في السوق من خلال البرامج النوعية الحديثة التي تبنى نتيجة حاجة حقيقية للسوق المحلية.
وإذا كان كذلك؛ فإن المطلوب هو الوقوف على الحد الأدنى من الكفايات المعرفية والنظرية الأكاديمية العلمية ورفع الوزن النسبي للكفايات العملية المطلوبة للتخصص المهني الذي تم اختياره، وإعداد اختبارات عملية مهارية تركز على امتلاك المتعلم/المتدرب للمهارات الفنية المطلوبة بإتقان لاجتياز المرحلة والانتقال إلى المحطة الثانية من المسار في الكليات الجامعية المتوسطة التي تكون هي المحطة الأخيرة له حتى يظل المتعلم مرتبطاً بسوق العمل ومتطلباته، لا أن يبحث عن سبيل آخر للنفاذ إلى الجانب الأكاديمي والاستمرار في الدراسة النظرية.
مهما يكن من أمر؛ فإن الأهم هو البحث عن التكاملية بين خطط وزارة التربية والتعليم وخطط وزارة التعليم العالي لتفعيل الجانب التقني/الفني والإجراءات العملية التي تضمن توجه المتعلمين تجاه سوق العمل بعيون منفتحة وعقول مؤمنة أن المستقبل هو في هذا المسار الذي سيكون بمثابة السيف البتّار بأيديهم ليمزقوا به شبح البطالة الذي يطارد جيل الشباب اليوم، وهو ما ينبغي أن تبنى عليه البرامج الوطنية لجعل التعليم الثانوي المهني أكثر فاعلية وأداة ذات أثر إيجابي للحد من أعداد العاطلين عن العمل على المستوى الوطني.
التعليم المهنـي واقع وتطلعات /*محمد موسى المرقطـن
11
المقالة السابقة