عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب
أعاد الرئيس محمود عباس الروح إلى الجسم الكفاحي الفلسطيني، حين جمع المكونات النضالية الفلسطينية ليعيد بناء اللوحة ويمسح ما اعتلى منظمة التحرير الفلسطينية من غبار، ويُمكّن جسمها من أن يكون ليناً ليحتوي المواليد الكفاحية الأخرى التي ولدت خارج المنظمة وحفرت لها خنادق إلى جوارها.
يرتقي الرئيس عباس بالقضية ويدخل بها مرحلة جديدة كما رأينا يوم الخميس الماضي وهو يخاطب الامناء العامين للفصائل حيثما كان وجودهم ويخاطب من خلالهم القوى الحيّة في الشعب الفلسطيني وكافة الفلسطينيين الذين زادوا عن أحد عشر مليوناً في الوطن والشتات ..
كان الرئيس عباس على عادته وقوراً ممثلاً إرادة شعبه ومستنداً إلى تاريخ من النضال الواعي والقادر على قراءة الواقع الفلسطيني والدولي..
لقد “أعاد الروح” الى الجسم الفلسطيني كلّه وحتى تلك الأغصان اليابسة في الحقل الفلسطيني أعاد سقايتها ودفعها باتجاه الحياة حين صفق بيديه لكل الكلمات التي بثت عبر الاتصال الالكتروني ليكون بذلك الصدر الأرحب في عموم القادة الفلسطينيين والعرب، حين قبل كل الأفكار، ولم يستثن أحداً أو يهمش أحدا أو يقلل من قيمة أي فكرة أو طرح..
لم يصادر الرئيس اي فكرة حتى أولئك الذين دعوا إلى الكفاح المسلح واعتبروه العلاج، وقد يكون الاختلاف معهم فقط في طبيعة العلاج ومراحل تناوله ومستوجبات ذلك ، فلكل مرحلة أدواتها التي يحسن اختيارها قادتها المسؤولون للوصول إلى الهدف..
استطاع الرئيس عباس بمثابرته وصبره أن يضع فلسطين على خارطة العالم الجديدة المتحركة وأن يسوق قضيتها وأن يجلب لها الانصار والأصدقاء ، وأن يوقف أي اعتراض على نهجه وسياساته لدى معظم دول العالم عدا اسرائيل والولايات المتحدة التي استطاع ان يحاصرها برأيه وأن يمنع سريان نفوذها على شعبه، “إن البعوضة تدمي مقلة الأسد” و تفقده القدرة على الإبصار..
قال صديقنا الدكتور حازم قشوع الوزير السابق والنائب السابق وأمين عام حزب الرسالة معلقا في مداخلته في صالوننا السياسي :” ان الرئيس عباس هو أهم شخصية الآن في المنطقة وهو أقواها إن أردتم نظرة أخرى للمواقف المتعددة.. وصمت المستمعون وراحوا يتأملون كيف يكون ذلك ؟ فأمدهم صديقنا بالشواهد..!!
الرئيس عباس الذي أعاد الشعب الفلسطيني وقضيته إلى التموضع متخلصا ومترفعا من كل ما علق بالموقف الفلسطيني من تراكمات سلبية اختصر بها كميات كبيرة من الترهل السياسي .
لقد أعاد الوقوف على مرحلة ما قبل أوسلو ودعا إلى تجميع الصف الفلسطيني الذي لا يستطيع اليوم أحد سواه أن يجمعه ابتداء من فتح وحتى الشعبية القيادة العامة مروراً بكل الفصائل الوطنية ووصولا إلى الاسلامية في حماس والجهاد الاسلامي، فقد وسع ساحة البيت الفلسطينية لتتسع لكل مناضل يرى في إزالة الاحتلال هدفا وفي صناعة حركة تحرر فلسطينية بأدوات عديدة من المقاومة وسيلة..
عباس في جلسته التاريخية الهامة يوم الخميس 3/9/2020 لم يذكر كلمة اسرائيل في خطابه، ولذلك مغزى وهدف اتركه لمن يريد القراءة الموضوعية ، وهو لم يميز بين فصيل وآخر ولا حتى فتح التي ينتمي إليها فلم يخصها بخلاف ما عامل به جبهة التحرير العربية مثلاً..!!
كان الرئيس يوم الخميس ينتقي كلماته بدقة متناهية خاصة في التعليقات التي كانت تعقب كلمات الأمناء العامين او من اندبوهم …وكان ذلك كافيا ليجمع الأمناء العامون على قيادته التاريخية ، فقد خاطبه أكثر الذين كان لهم موقف من نهجه بلقب “الرئيس” أكثر من مرة، إقرارا بدوره وفضله وقدرته باعتباره آخر القادة التاريخيين في موقع قيادة الشعب الفلسطيني…
لم ينحني أبو مازن ابدا ولم يهن او يضعف ولم يرفع راية بيضاء وقالها واضحة لا للاحتلال الإسرائيلي ولا للجوقات العربية التي ترجمت النشيد الإسرائيلي واستظلت به في مواقفها الهجينة وكان عفيف اللسان لا يريد للمضبوعين بالاحتلال مهما بلغوا من العتي والانحراف والضلال ان ينفضوا عن القضية الفلسطينية وظلّ يذكرهم بمواقف اجمعوا عليها ومبادرة هم الذين قدموها وقبلها الشعب الفلسطيني الذي ظلت تدخلات النظام العربي الرسمي في مسيرته ذات سلبيات زادت كثيرا عن الإيجابيات منذ ثورة عام 1936 وحتى قبل ذلك وإلى اليوم…
لم يهادن الرئيس ولم يتراجع عن خطابه السياسي الموجه لشعبه، ولم يستعمل لغتين فوق الطاولة وتحت الطاولة، بل ظل يتحدث لغة السلام بأسلوب الفدائي الذي يحفظ درسه ويملك الترجمة الدولية للغات العالم…
كان صلبا بطلا لم يتلعثم ولم يشطح ولم ينس ان يُذكّر العالم بمعاناة شعبه ومظلومتيه، ولم تأخذه عزة الإجماع الفلسطيني عليه بتغليظ اللهجة، وإنما أراد أن يكون شاهدا ومبشرا لما قدموا ونذيراً لمن انزلقوا وضيّعوا وأمينا على مسيرة يصلحها ليسلمها لغيره وهو في قمة الصلابة والموقف الوطني المجيد، ولذا دعا الى انتخابات تشريعية ورئاسية، ودعا كل الفصائل إلى الانخراط في ذلك، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون وليكن الفوز بما يقرره صندوق الانتخاب الذي ما زال يجفل منه النظام العربي وان قبله فسيأتي به مملوءا بارقام 99 % او ما حولها…
عباس لا يخشى الديمقراطية، وقد كان مسؤولا عن تفويز منافسته حماس حين أظهرت الصناديق مع الفجر أنها تشير الى فوزهم، فحمى الفوز بتصريحات واضحة وتهديدات لكل من أراد أن يغير النتيجة من أتباعه ، وليلتها ومع الفجر دعا اسماعيل هنية وابقى رئيس الوزراء احمد قريع في المنزل وقد اعفاه لصالح حكومة وحدة وطنية.
عاد اسماعيل هنيه اليوم 7/9/2020 المطالبة بها بعد أن ذاق حلاوتها وقوتها في حفظ السلامة الوطنية بعد اغتراب اقترفه من يجهل طبيعة شعبنا الفلسطيني وخياراته…
في لقاء الخميس التاريخي الفاصل ما بين الانقسام والوحدة وضع الرئيس عباس معالم على الطريق وقدم روشيته الدواء وطالب بتناوله ودعا اولئك الذين يضعون المقاومة في أولوياتهم الى الزحف لاخذ الصفوف الأولى وحفّزهم ان يبدأوا في تحريك الشارع وان يجترحوا المعجزات التي تقوم من إرادة شعبنا، وليست التي تسقط عليه أو فوق رأسه أو تأتي من وصفات هجينة أو غربية أو وافدة أو من أولئك الذين يريدون ان يكرموا بدم الشعب الفلسطيني وان يستروا عوراتهم بقميصه…
صمود الرئيس عباس وصلابته فضحت أنظمة التآمر الرخوة و كشفتهم لانه استطاع بصموده وقوله (لا) للتحالفات الخارجية في المنطقة أن يكشفهم ويستعجل معرفة حقيقتهم التي كانت تغطيها خطابات النفاق والكذب وادعاء “أخوة يوسف”..!!
لقد قال لهم ان الدم الذي جاءوا به لإثبات تصفية القضية وقتلها هو كذب، وأن هذه القضية باقيه وشعبها صامد وإرادة قادتها صلبة.. وأنها لن تموت بل ستحيا وتبني وتقود.
أنظار العالم الآن تتابع مواقف القيادة الفلسطينية وهي عنوان لزيارات مسؤولين دوليين في حين وُضع كثيرون من أطراف النظام العربي “قلم قايم” في الخرج وأصبح نتنياهو يتكلم باسمهم ويُسوّغ أعمالهم…
رسائل الرئيس عباس في كلمته وصلت ولغة الكلام وحتى لغة الجسد عنده كانت مقروءة جيدا، فقد فتح أبواب ووسع آخرى ودعا الى يوم الدين الفلسطيني الذي بدأ الخميس لتبدأ مسيرة جديدة تتطلع اليها أجيال الفلسطينيين…
نعم وكما كان موقفه من القدس صلبا في أيام كامب ديفيد الفلسطينية الصعبة التي أفضت إلى استشهاد الرئيس عرفات فإن مواقفه الصلبة تتكرر الآن في الإمساك بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وعدم المساومة عليها…
قد يذكر بعض المولعين بتدوين الوقائع موقف عباس في كامب ديفيد عام 2000 حين كان الرئيس عرفات غاضبا من موقف كلينتون، وقال له: “لا”، وخرج ليتصل بزعامات عربية خذلته.
قول الرئيس عباس “لا تتعب نفسك يا أبو عمار، ولا داعي للاتصال وتمسّك بموقفك”، وازعم أن الرئيس عباس من خلال قراءة عميقة لفكره وكتاباته انه أكثر المفكرين الفلسطينيين والعرب معرفة بالنظام العربي والأكثر استنتاجا لدروسه…
الرئيس عباس جاء بالحصان الفلسطيني الى الماء بعد نفور وغياب وقد لا يستطيع ان يجبره على الشرب ولكنه بصّره بالرحلة والراحلة وصعوبة الطريق وضرورة تجميع القوى…
رسائل عباس للنظام العربي سواء من حسم أمره لصالح إسرائيل او من غاب أو امتنع او تردد واضحة لمن يريد أن يشتري من الموقف الفلسطيني او يتبعه، فمن أراد فلسطين وقضيتها عليه أن ينتظم في طابور التلبية خلف قيادتها وليس أمامها او يزاحمها ومن أراد غير ذلك فإن ورقة التوت لم تعد تحجب شيئا…
“لا”… الرئيس عباس تزداد في كل يوم صلابة، وقد مهرها بإرادة اجتماع يوم الخميس لتصبح اكثر صلابة وحسما وقولا واحدا ، رضيت الولايات المتحدة واتباعها ام لم ترض في حين ان اللاءات الأخرى العربية من الخرطوم حتى المبادرة العربية عام 2000 تذوب وتذوي وتدفن ويجري التنكر لها أو محاولات تبرير استبدالها..!!
اتفق مع أخي حازم قشوع بأن عباس هو الأقوى الآن، وهو الذي يرنوا إلى موقفه الشعب الفلسطيني لإستكمال مسيره الوحدة، ثم التصدي والمقاومة ، وما نحن إلا في ربع الساعة الأخير من عض الأصابع “وما النصر إلا صبر ساعة”، فإن جاءت الانتخابات الأمريكية برئيس جديد عندها تأكل تميم ربها الذي صنعته من تمر في الخليج وينقشع سراب الطريق ليكشف ان المتوهمين بالماء الإسرائيلي لم يقبضوا إلا العطش في حرارة الخمسين درجة، وإن بقي ترامب فإن الفلسطينيين قد أعدوا لذلك ما استطاعوا من رباط الإرادة ومناداة الشهداء ليكونوا معهم…
عباس أعاد لشعبه يوم الخميس الروح الوثابة الجديدة وأعاد الوعي على القضية التي صنعت لها الإدارة الأمريكية وعد بلفور واختفت لتنسبه لغيرها وتظهر مجددا عند استحقاقاته المستمرة اليوم…
أبو مازن كان شجاعا لم تبعده الخامسة والثمانين عن صلابة موقفه وهو يريد أن يصل النهايات محمولا على أكتاف الملايين الفلسطينية وقد تقدم كل الشهداء بعد عمر مديد من الكفاح، فالاستشهاد ليس غاية وإنما وسيلة ليظل الشعب الفلسطيني حياً..!!