عروبة الإخباري – كان الإعلان الذي أُذيع في 13 أغسطس/آب، بأن إسرائيل والإمارات سوف تطبعان العلاقات بينهما -تزامناً مع إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه سيعلق خطط ضم مزيد من المناطق في الضفة الغربية التي استولى عليها خلال نكسة 1967- سبباً طبيعياً في إثارة تساؤل إضافي بشأن ما يعنيه هذا الاتفاق لمركزَي القوى في الشرق الأوسط: السعودية وإيران؟
وفي ظل بروز عديد من التساؤلات والشكوك المرتبطة بالشرق الأوسط، ليست إجابة هذا السؤال مباشرةً مثلما قد يظن البعض، فاتفاق السلام يخفي صفقات وتحالفات سرية تنقل الصراع في الشرق الأوسط لمرحلة جديدة، حسبما ورد في تقرير لموقع Oilprice.com البريطاني.
الإمارات أرادت الحماية الأمريكية الإسرائيلية من إيران
في بداية الموضوع، يحمل الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي في طياته تعقيدات عديدة أكثر مما يوحي الإعلان البسيط، ما يعني أن استجابتي السعودية وإيران لهذا الاتفاق سوف تحملان أوجهاً عدة على السواء.
في الأسبوع الماضي، قال مصدر رفيع يعمل عن كثب مع الاتحاد الأوروبي في قضايا أمن الطاقة، خلال حديثه مع موقع OilPrice.com: “أرادت الإمارات، أكثر من أي محصلات أخرى من هذا الاتفاق، أن تثبت أقدامها بقوة ضمن حلفاء الولايات المتحدة المفضلين من أجل الحصول على صفقات مالية وتجارية في المستقبل، نظراً إلى أنها تضررت بشدة من حرب النفط التي قادتها السعودية والتي انتهت للتو، ومن أجل أن تكون ضمن الشبكة الاستخباراتية الأمنية الأمريكية-الإسرائيلية كي تحمي نفسها من إيران”.
وأوضح قائلاً: “ومع ذلك، فإن هذا الاتفاق الرسمي لا يفعل شيئاً إلا أنه يبين بطريقة رسمية فحسب، ما كان يحدث منذ مدة بين إسرائيل والإمارات في مجال التعاون الاستخباراتي للتصدي للقوة المتزايدة لإيران في المنطقة، التي صارت أكثر تسلحاً، بسبب الهيمنة المتزايدة للحرس الثوري الإيراني في طهران”.
إسرائيل والإمارات تتعاونان في صفقة شراء سرية لأراضٍ إيرانية
وقال المصدر إن جزءاً رئيسياً من المبادرة الاستخباراتية المشتركة بين الإمارات وإسرائيل (والولايات المتحدة بالتبعية) تَمثَّل في الزيادة الدراماتيكية في شراء العقارات السكنية الإضافية خلال العامين الماضيين في محافظة خوزستان جنوب إيران -وهي منطقة استراتيجية بسبب احتياطيات النفط والغاز فيه ووجود أقلية عربية كبيرة فيها- عن طريق الشركات المسجلة في الإمارات، ولاسيما التي تتخذ من دبي وأبوظبي مقراً لها.
وأضاف: “غادر حوالي 500 ألف إيراني بلادهم في وقت الثورة الإسلامية 1979، واستقروا في دبي، في المقام الأول، وتليها أبوظبي، ولم يفضلوا قط أن يضطلع الحرس الثوري الإسلامي بالدور الرئيسي في إيران، وبعضهم استُخدم ليكون وجهة لتطوير العقارات التجارية في خوزستان، بتمويل من الشركات المسجلة في هاتين الإمارتين”.
وأردف قائلاً خلال حديثه مع موقع OilPrice.com: “غير أن هذه الشركات التي تنتمي ظاهرياً إلى أبوظبي ودبي، هي في الواقع تُموَّل من شركة عقارات إسرائيلية كبيرة تحصل بدورها على تمويلات في إطار عملية إسرائيلية أمريكية شُكلت من أجل هذا المشروع على وجه التحديد، بميزانية تبلغ 2.19 مليار دولار.
هذه الشركات، وحيازة العقارات الإضافية في خوزستان عن طريق الأفراد العاملين في هذه الشركات لا تعني فقط أن السكان الأصليين الإيرانيين تتضاءل أعدادهم عن طريق العرب غير الإيرانيين [برغم أن السائد هو الهوية الفارسية على صعيد التعداد السكاني، يشكل العرب حوالي 2% من سكان إيران]، بل وتعني كذلك تحسن فرصة جمع المعلومات الاستخباراتية على الأرض بصورة دراماتيكية”.
وتابع: “في الأساس، تفعل إسرائيل عن طريق الوجود الإماراتي في جنوب إيران ما كانت تفعله إيران لإسرائيل عن طريق وجودها في لبنان وسوريا”.
كيف سيكون الرد الإيراني؟
ونظراً إلى أن هناك فرصاً واضحة لزيادة حجم جمع المعلومات الاستخباراتية والاضطراب الاقتصادي والسياسي داخل حدود إيران، وهي فرص تنبع من الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي الجديد، فمن غير المفاجئ أن إيران أبدت عداءها له. قدَّم المساعد الخاص لرئيس مجلس الشورى الإسلامي للشؤون الدولية في إيران، حسين أمير عبداللهيان، عرضاً مُعلناً للغاية بعد وقت قصير من الإعلان عن الاتفاق، وذلك عن طريق عقد لقاء مع السفير الفلسطيني لدى طهران، صلاح الزواوي، وذكر أن “تحرك الإمارات لتطبيع العلاقات مع النظام الصهيوني يشكل خطأً استراتيجياً، وأن الحكومة الإماراتية يجب أن تتحمل مسؤولية كافة تبعاته”.
وأضاف أن إيران لا تزال تقف بقوة وراء الشعب الفلسطيني. وطالب السفير الفلسطيني لدى طهران، صلاح الزواوي، جميع رؤساء البرلمانات في الدول الإسلامية أن يدينوا تحرك الإمارات وأن يدعموا “الحقوق المؤكدة للشعب الفلسطيني”.
وأبرمت تحالفاً غير مسبوق مع الصين وروسيا
أما عن الخطوات اللاحقة الأكثر دلالةً خلافاً لمجرد الكلمات، فكانت مُمثلةً في اجتماع رفيع المستوى لوزير الدفاع الإيراني العميد أمير حاتمي، ونظيره الروسي سيرغي شويغو. وحتى في العلن، لمّح حاتمي إلى الصفقات العسكرية الجديدة التي أبرمتها بلاده مع الصين وروسيا، مشيراً إلى الأهداف والمصالح الاستراتيجية الإقليمية والدولية المشتركة بين طهران وموسكو، ومؤكداً على “تطور التعاون الدفاعي المشترك” بين الجانبين.
انتقد حاتمي بعد ذلك محاولات الولايات المتحدة مؤخراً من أجل استحضار “إعادة فرض” العقوبات الدولية ضد إيران عبر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وقال: “في السنوات الحديثة، أطلقت إيران وروسيا جهوداً هادفة للتصدي لسياسات التحرش والسياسات الأحادية من جانب الولايات المتحدة وإدارة ترامب في المنطقة. الاستجابة الواقعية من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ورفض قرار الولايات المتحدة الحديث المناهض لإيران، والرامي إلى مد حظر السلاح ضد إيران، مرة أخرى، جلب هزيمة كبيرة للولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين وأثبت وجود المعارضة العالمية ضد الأحادية”.
فيما قال مصدر الاتحاد الأوروبي: “ضمان دعم الصين وروسيا، بوصفهما عضوين دائمين من الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، كان بكل تأكيد أحد الأسباب الرئيسية وراء قبول إيران العناصر العسكرية الموجودة في الاتفاق البالغ مدته 25 عاماً، الذي عقدته في وقت سابق مع الصين”. وبكل تأكيد، مع الإعلان الرسمي الآن عن الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي الجديد، فإن الحرس الثوري الإسلامي مستعد تماماً (بمباركة المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران آية الله علي خامنئي) للسماح بوجود القطع البحرية الروسية والصينية في موانئ إيران الرئيسية وما حولها في جابهار، وبندر بوشهر، وبندر عباس، تمشياً مع العنصر العسكري للاتفاقية، بدءاً من 9 نوفمبر/تشرين الثاني، وذلك حسبما قال مصدر رفيع يعمل عن كثب مع وزارة النفط الإيرانية، خلال حديثه مع موقع OilPrice.com في الأسبوع الماضي.
سوف يصاحب نشر هذه القطع عرض قدرات الحرب الإلكترونية الصينية والروسية، التي سوف تشمل الجوانب الثلاثة الرئيسية للحرب الإلكترونية: الدعم الإلكتروني (بما في ذلك التحذيرات المبكرة حول الأسلحة التي يستخدمها العدو)، إضافة إلى الهجوم الإلكتروني (التي تتضمن أنظمة التشويش) بجانب الحماية الإلكترونية (متضمنة التشويش على العدو). وبينما تعتمد في الأساس على إبطال قوة أنظمة C4ISR لحلف الناتو (القيادة، والتحكم، والاتصال، والحواسيب، والاستخبارات، والرقابة، والاستطلاع)، سوف يَتمثَّل جزء من الطرح الجديد للبرمجيات والمعدات الصينية والروسية لدى إيران في منظومة الدفاع الصاروخية إس-400 (“للتصدي للهجمات الأمريكية أو الإسرائيلية أو كلتيهما”) ومنظومتي كراسوخا-2 وكراسوخا-4 (“نظراً إلى أنهما أثبتتا فاعليتهما في سوريا خلال مواجهة رادارات الهجوم، والاستطلاع، والطائرات المسيرة”).
فما هو موقف السعودية؟ لن تطبع ولكن ستمول الصفقة
ما هو موقف السعودية في أعقاب الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي؟ قال جون ألترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية الأمريكي، خلال حديثه مع موقع OilPrice.com في الأسبوع الماضي: “قد تكون السعودية، على وجه الخصوص تدعم صمتاً، ولكن من غير المرجح أن تطبِّع العلاقات. تضطلع المؤسسة الدينية بدور متميز في المملكة منذ القرن الثامن عشر، إذ إن الملك هو خادم الحرمين الشريفين، والسعودية هي مؤسسة منظمة التعاون الإسلامية”. بحسب المصدر الإيراني، تعد كلمة “صمتاً” الكلمة الملائمة هنا؛ لأن 62% من تمويل مبادرة العقارات الإسرائيلية الإيرانية لاستحداث مستوطنات جديدة لمواطنين إماراتيين داخل محافظة خوزستان الإيرانية، تأتي حالياً من “منظمات مرتبطة بالسعودية”.
يتناسب هذا مع الرؤية المتبناة على نطاق واسع بين المحللين المتخصصين في الشأن السعودي، التي تشير إلى أن ولي العهد محمد بن سلمان يعد أكثر تضامناً مع الاتفاقية -ومع الهدف الاستراتيجي النهائي للولايات المتحدة وإسرائيل، الرامي إلى إضعاف إحكام الحرس الثوري الإسلامي قبضته على البلاد- من أبيه الملك سلمان.
أخبر الملك سلمان بن عبدالعزيز في العام الماضي منظمة التعاون الإسلامي بأن القضية الفلسطينية تبقى قضية أساسية، وبأن المملكة “ترفض أي تدابير تتعرض للوضع التاريخي والقانوني للقدس الشرقية”.
على الجانب الآخر، يبلغ العاهل السعودي من العمر 84 عاماً، ويعاني من سوء حالته الصحية، بل إن وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، أبدى ترحيباً حذراً تجاه الاتفاقية الإسرائيلية الإماراتية، وقال: “يمكن رؤيتها أنها إيجابية”. ويأتي كذلك على النقيض من ملاحظة تفيد بأن السعوديين في عام 2002 -وهو وقت ليس ببعيد من الناحية الجيوسياسية العالمية- هم من أطلقوا “مبادرة السلام العربية” -التي أطلقها الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، الذي كان ولي العهد آنذاك- خلال القمة العربية في بيروت، التي تعرض الاعتراف الكامل بإسرائيل مقابل العودة إلى حدود ما قبل 1967.