بعد النجاح المبهر الذي سجله الأردن في الأشهر الثلاثة الأولى من انتشار الجائحة عالميا، نقف اليوم على أعتاب مرحلة جديدة محفوفة بالقلق والمخاوف. مع الانتقال من سياسات التباعد الصارمة الى خليط من الإجراءات التي لا تتوافق تماما مع افتراض التباعد، أصبح الناس يعانون من التشويش والحيرة المقرونة بالتساؤل حول إذا ما كانت الخطوات المقبلة آمنة بالقدر الذي يتطلع له الناس ويرجونه. الكثير من الارتباك الذي يشعر به الناس يتغذى من تصريحات الخبراء والتضارب بين ما توصي به اللجان المتخصصة وتخرجه الحكومة على هيئة قرارات ملزمة.
حتى الآن لا أحد يفهم المنطق في أن يعلن الحظر الشامل في عمان والزرقاء ليوم الجمعة بالتزامن مع تكثيف الدعوات لعودة الطلبة للمدارس بعد ثلاثة أيام من الحظر. الآلية التي أسهب في شرحها وزير التربية والتعليم حول التباعد في بيئة مدرسية مكتظة لا تبدو مقنعة، خصوصا وأننا نعرف واقع مدارسنا وإمكاناتها.
في أكثر من 6000 مبنى سيجتمع أكثر من مليوني طالب ومعلم في بيئة غير مهيأة للتدريس في الأوضاع العادية، ناهيك عن الشروط التي تتطلبها السلامة العامة في ظل هذه الجائحة الخطيرة. الإخوة الذين اتخذوا قرار العودة يستشهدون بعودة بلدان العالم الى التعليم في ظل الجائحة وهذا صحيح. الفرق بيننا وبين الكثير من الدول يتجلى في المشاهد التي نراها للمدارس في اليابان وكوريا والصين والولايات المتحدة؛ حيث يجري تعقيم المكان والطلبة والأدوات ويمضي الطالب وقته المدرسي في مقعد معزول بمواد شفافة تمنع انتقال العدوى ويوفر الحماية للجميع.
في مثل أوضاعنا وفي مدارس تفتقر الى المياه والموارد الكافية للعزل والفحص والتعقيم، يتساءل الكثير من الآباء والأمهات عن الأسباب التي تمنع من استمرار تقديم المنهاج للطلبة عبر المنصات التي قيل لنا إنها نجحت في تحقيق الأهداف وحققت لطلبة الثانوية العامة نجاحا لم يسبق للبلاد أن شهدت له مثيلا. من حق الأردن الذي سعى ويسعى لتحسين وتجويد التعليم أن يحطم الفجوة الرقمية ويحقق اقتصاد المعرفة وينتقل بنا الى آفاق تتجاوز أحلامنا بكثير، فقد مضى على هذا الوعد سنوات طويلة وربما آن الأوان لذلك.
الخوف والقلق الذي يساورني ويساور الكثير من الناس هذه الأيام لا يأتي من إمكانية زيادة عدد الحالات والتفشي فقط، بل من أن السياسات والقرارات التي تتخذ بخصوص الاستجابة والتعامل تستند الى افتراضات متضاربة. لا أحد يقتنع بأن التباعد سيتحقق عندما يزج بألف طفل في أحد المباني التي يفتقر معظمها الى المياه وتشكل حماماتها مكاره صحية، ويطلب من الأطفال غسل أيديهم والتعقيم والحفاظ على مسافة آمنة في أمكنة ضيقة حتى وإن قالت المخططات إن مساحته تربو على 2000م2.
من المحزن أن نخسر نشوة الإنجاز الذي تحقق عبر الأشهر الأولى من وصول الوباء الى المنطقة وننتقل من حالة الوضوح والانضباط والصرامة في اتخاذ القرار وتنفيذه الى فوضى وتداخل في استراتيجيات التجارة والعمل والصحة والتعليم والانتقال الى حالة نتمنى أن لا يتحمل الناس الذين لا حول لهم ولا قوة آثارها وتبعاتها.
كنت وما أزال أعتقد أنه كان بإمكاننا الحفاظ على الإصابة في حدودها الدنيا لو لم نعتمد على الإجراءات والتقييمات التي قام بها بعض من تنقصهم الخبرة والدراية. فقد كانت نقاط العمري وجابر خاصرتين رخوتين. أهملنا فيهما الإجراءات الوقائية الصارمة وأوكلنا الفحوص والتحقق الى قطاع خاص وحجرنا القادمين بشروط غير لائقة، الأمر الذي دفع بالبعض الى التملص من هذه الشروط بوسائل مختلفة.
العودة إلى المدارس.. مخاوف وتحفظات /د. صبري الربيحات
8
المقالة السابقة