لن يسعى وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى تحرير فلسطين، وحمل راية القدس، وانهاء الصراع على سوريا، وتخليص مصر من مشاكلها، وترييح لبنان من مطباته، والحفاظ على وحدة اليمن .. كل ما يمكن فعله انه أقل من اطفائي، بمعنى انه يرمي فوق نار مضطرمة ملاعق من الماء اذا صح التعبير، فلا هي ستنطفئ، ولا هو بمقدوره ان يفعل أكثر.
الملفات التي أعطيت له، بل منحه إياها الرئيس الاميركي اوباما، سيكون عليه ان يضع لها الممكن فقط، وهو يعلم انه لا حل لها طالما ان مشكلة حلها تكمن في الولايات المتحدة، في بلده الذي يصنع الأزمات مثلما يحاول صنع الحلول لها، ويصنع المواقف فتكون مرة مضادة ومرة أخرى متجانسة.
الملف الفلسطيني اذن في عهدة كيري، وكذلك الملف السوري، الاول قديم العهد متجذر، تعود مرحلته إلى الحلم الاميركي بشرطي يمسك له مصالحه في المنطقة، فإذا بهذا الاسرائيلي يتفوق على من عينه وكبره ووضع له انيابا. والثاني، ملف جديد العهد لكن جذوره قديمة ايضا، ومثلما اكتشفت هيلاري كلينتون أنها امام حفر في صخر من الصوان والجرانيت حين اقتربت من الازمة السورية، سيتعرف كيري، بعدما تعرف بالفعل، على صعوبة الصد الفولاذي الذي يلعبه الجيش العربي السوري، فعليه بالتالي، ان يجد ترجمة جديدة، وعليه ايضا ان يتمكن خلال الأيام القادمة وهي قليلة العدد، ان يرفع إلى رئيسه رأيا يحتاجه في محادثاته مع الرئيس الروسي بوتين ..
ولهذا السبب، يكون الحديث عن معركة دمشق، صورة عن لمحات اميركية حول نتائج قبل أي انتاج، بمعنى ان المعركة يجب ان تخاض اعلاميا قبل وقوعها، ولقد بات معلوما ان الجيش العربي السوري قام حتى الآن بفرط شروط الهجمة على العاصمة السورية والتي لن تحصل بعدها، وان حصلت، وهذا غير منطقي ضمن الظروف العسكرية للمسلحين، فستكون فاشلة سلفا.
كل ما سيفعله كيري هو الاصغاء، لكن أهل الملفين يريدان عملا وتنفيذا، ولا يحتاجان للقول بأن خير الكلام ما قل ودل، بل يريدان سماع الجديد الذي لن يكون جديدا.
الملف الفلسطيني اقفلت صفحاته ولن يجري البحث عن صفحات جديدة لكثرة ما امتلأ، اما الملف السوري، فستكون سخونته ايذانا بالحرارة الأميركية التي بثت فيه والتي ستفضي في نهاية المطاف إلى ان تتحول حرارة من نوع آخر، تتجه فيها الأمور إلى تفتيش عن أمل، والأمل في تسوية، والتسوية تظل مركبة من قديرين هما وحدهما من يحققها في نهاية الأمر.
كل هذا يعني ان جولة كيري قد انتهت قبل وصوله، لكن بعض سياسات الدول الكبرى تفترض ان الآخرين بحاجة لمن يكرر عليهم ما يفعلونه ايهاما بأنهم يستمعون من اجلهم.