عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب
لم تنطفئ شعلة العقبة الاقتصادية فما زالت تتوهج، رغم محاولات حصار شعلتها بنوايا حسنة أو حتى غير حسنة، لقد بدأت الفكرة ملكية بامتياز ووضع الملك عبد الله الثاني ثقل رأيه وجهده إلى جانب صيرورتها، ونفخ فيها ارادة استقطب لها خيرة جنوده من مدنيين وغيرهم، حتى استوت على شكل مشروع تميز بقدراته على استقطاب المستثمرين وتعزيز الاقتصاد الوطني..
تابعت نشوء المنطقة الاقتصادية في العقبة، وكنت واحداً من اصدقاء الفكرة وتجسيدها حين أسسنا لجنة أو (جمعية أصدقاء العقبة) في زمن “الرئيس نادر الذهبي” الذي انطلق بها قوية قبل ان تختلف الحكومات المتعاقبة من بعد في افتاءات عديدة متشابكة أودت بوهج المشروع، وكادت ان تقوضه حين انبرى تيار أردني يشكك ويضع رجليه في الحيط لعدم انفاذ المشروع، وحين نفذ المشروع وتجلى لم يكف هذا التيار عن وضع العقبات حتى نجح في استعادة كثير من مكونات هذا المشروع الادارية والاستقلالية إلى المركز، فكان إعادة دمج الجمارك في السلطة مع الجمارك المركزية، واخذ كثير من صلاحيات رئيس السلطة و جعل مرجعيات عمله في الوزارات و احيانا مع الامناء العامين في الوزارات، وبقيت كثير من الاسئلة الملحة المتعلقة بالاستثمار والاراضي والتسهيلات تنتظر في اروقة الوزارات،وتعيش بيروقراطيتها..
مضى حين من الزمن، كاد مشروع العقبة الخاصة يلفظ انفاسه، وخاصة في اعقاب الازمة الاقتصادية الشاملة عام 2008 حين عاود التفكير التقليدي بالانقضاض على الفكرة باعتبارها من ولادات الليبرالية التي ظلت موقع تشكيك!!
ولكن جاء إلى المنطقة الخاصة من يعيد تأصيل الفكرة ويمسح عنها ما علق ويحاول إعادة الصلاحيات بشكل وإن لم يكن كاملا أو شبيها لما كانت عليه عشية الانطلاقة الأولى في التسعينيات، وبعد ان وضع الملك عبد الله الثاني حجر الأساس، واطل على العقبة مع ضيوفه العرب المستثمرين والمعجبين من منطقة المطل المعروفة، وهي الاطلالة التي بعثت استثمارات لاحقة في مشروع المعبر وايلة وغيرها من المشاريع الكبيرة والهامة والتي اتى بعضها اكله الحلوة.
كنت سعيت بعد انقطاع عن زيارة العقبة والاهتمام بما آلت اليها منطقتها الاقتصادية منذ غادرها الرئيس النشيط “المهندس محمد صقر” والذي يشهد له الكثيرون بما أنجز، ولم يكن هو وحده، فقد كان أيضا في المقدمة “المهندس نادر الذهبي”..
كنت أحاول أن أفهم ما جرى و أن أرى أثر الإحباط الذي جرى تجاوزه بصمود المؤمنين بالمشروع، خاصة وأن المناطق الاقتصادية الخاصة كانت نسبة نجاحها على مستوى العالم أقل من 50%، ورغم ذلك نجح مشروع العقبة بامتياز، كونه حط في بيئة ماهولة بالسكان وعكس نتائجه على البيئة المحلية بفوائد عاشها (العقباويون) الذين توفرت لهم فرص عمل وارتفعت أسعار عقاراتهم ووجدوا لأنفسهم مشاريع، كما أصبحوا مزهوّيين بما آلت اليه مدينتهم من تطور وجمال..
ولما جاء إلى العقبة “الجنرال المتقاعد المهندس نايف البخيت” وقد شكل بهدوء علامة فارقه ووضع فاصلة بين مرحلتين، خطر في ذهني زيارة العقبة وان التقيه لأطلع على ما وصلت اليه الحال، ولما كان عسكريا متقاعداً، فقد أحسست لأول وهلة أنه لن يضيف وانما سيأخذ، ولن يعيد إنتاج شيء وإنما سيعمل على إدارة الواقع القائم بما يتوفر فيه، ولكنني فوجئت بشهادة في كفاءته من قائده أثناء خدمته في الأمن حين قال “الباشا عبد الهادي المجالي” في إحدى الجلسات: “الآن جاء إلى العقبة من يريد العمل و سوف ينتقل بها إلى الامام لمعرفتي به” ، لفتت الشهادة نظري، ثم أردف الباشا وقال لي: “اذهب زور العقبة والتقيه” فقلت يومها: يا باشا “ما زال في القصر من أمس العصر” دعه يعمل لنرى، ومضى أكثر من عام، وحين كنت أقرأ خبراً عن الميناء وآخر عن الصوامع، وأتابع جولات رئيس السلطة، ووجدت ان الشغب على المشروع والادارة قد خفّ، وان خبر صغير قد تسرب وهو رغبة رئيس السلطة في بيع البيت الوظيفي الكبير والفارهه الذي يقيم فيه، لأن كلفة خدمته فقط ومايحتاج من ماء وكهرباء وغيرها يزيد عما لو اقام رئيس السلطة في “سويت” في فندق خمس نجوم، أدركت أن الرجل قد وضع يده على أفكار صحيحة، وان البيت المترامي الأطراف والذي تزيد مساحة البناء فيه عن دونم غير الحدائق الممتدة والمكلفة إنما يريد ضغط الانفاق، وأدركت أن “الرئيس السابق محمد صقر” كان على حق حين أقام في الفندق ولم يقم في بيت الوظيفة المكلف أربعة أضعاف للإقامه في الفندق.
ما اكتبه في هذه المقدمه اردت به أن أصل لأقرأ ما أنجزته إدارة البخيت وذراعها الأهم “شركة تطوير العقبة” التي زرت مديرها العام “المهندس بشار ابو رمان” المنهمك في العمل.
أخيراً قمت بزيارة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة، بعد انقطاع وصلتها في يوم حار بلغت درجته 44 درجة، ولم يكن الطيران إلى العقبة قد استؤنف نتاج لظواهر الكورونا التي شلت السياحة باستثناء العقبة، التي بقيت متنفسا للعقبة والأردن كلّه، فأقبل عليها الهاربون من حصار الوباء ليجدوا لها لون آخر وطعم آخر وبهجة اخرى..
لم اجد الكثيرون ممن عرفتهم في السلطة و شركه تطوير العقبة، فقد ارتحلوا بعد ان بلغت شركة التطوير أوج نشاطها في زمن رئيسها الشاب “الدكتور عماد فاخوري”، اذ لم أجد إلاّ “السيدة علا أيوب” التي كان يثق بها في العلاقات العامة والترويج، فهي ما زالت، وقد سررت بأنها ما زالت تضع خبرتها.
كنت على موعد مع الباشا البخيت الذي التقيته لأول مرة، و حين دخلت و نظرت إلى مكتبه، ابتسمت لأنه يشبه مكتبي في كون الأوراق التي اعتلته وفوضى هذه الأوراق المتراكمة التي قد يستغرب الذي لايعرف سلوك من يفعلون ذلك، كيف يعمل من يجلس على المكتب، وكيف يتذكر وكيف يستدل على مكان كل ورقة أو قضية أو ملف.. كان ذلك لافتا ولكنني وانا أمارس نفس الحال مع أوراقي لا أجد في ذلك حالة سلبية أبداً.
ليس هذا ما يهم وانما ان استمع من الباشا البخيت عن ما هو قائم وماذا سيقوم من مشاريع أو خطط، وماذا انجز من ازالة معوقات تراكمت مما مضى أو ماذا سن من سنن جديدة حين أراد معاودة الانطلاقة، وما هي الصلاحيات التي استرجعها، وما هي التي تستعصي عليه وقد فقدت، ولا امل في اعادتها؟ ولماذا جرى في مرحلة ما تعتيم المشروع، ومن يقف وراء ذلك؟ ولماذا ومن يتحمل المسؤولية؟ وهل بقي جلالة الملك على ذات الرغبة والطاقة والمبادرة والاصرار في الدفع بالمشروع “العقبة الخاصة” ليبلغ مداه، أم أنه تركه ليرى ان كان جنوده يستطيعون ان يستانفوا الرحلة به إلى الامام.
الباشا البخيت الذي كان له دور ملموس في إنجاز مشروع الأمن والسيطرة في الأمن العام بعد أن تخرج مهندسا من بريطانيا ليلتحق بالأمن العام، زمن قيادة عبد الهادي المجالي للجهاز يستطيع وقد نجح الرهان عليه، في إعادة الوهج إلى العقبة الخاصة رغم كل الطارئات من العوامل و فروق التوقيت القديمة.. وللحديث بقية في حلقات أخرى تفصيلية..