تصريح وزير الصحة الدكتور سعد جابر لبرنامج”صوت المملكة” على قناة المملكة عن أن فيروس كورونا المستجد في الأردن”نشف ومات” نال من الجدل والتفاعل أكثر سواه من مواضيع الساعة، ما خص منها الحالة الوبائية بشكل عام من سواها من العناوين.
ربما يعود السبب إلى استخدام الوزير تعبيرات لغوية دارجة في الثقافة الشعبية، تجذب اهتمام الناس أكثر من المصطلحات العلمية الجامدة. بينما رأى آخرون في قول الوزير تناقضا مع تصريحات رسمية تحذر من استمرار خطر الوباء في الأردن، رغم التراجع الكبير في عدد الإصابات المحلية المسجلة.
تصريح الوزير ليس مستهجنا ولا غريبا من وجهة نظري، فالوباء تراجع كليا داخل البلاد وجميع الحالات المسجلة مصدرها خارجي بالدرجة الأولى. حزمة الإجراءات الوقائية التي اتخذتها السلطات على مدار أسابيع طويلة كان لها الدور الفعال في جعل البيئة الأردنية نظيفة من الناحية الوبائية. وعديد البؤر المسجلة خلال الفترة الماضية تم السيطرة عليها تماما بخلاف الحال في دول كثيرة عادت لنقطة الصفر لاستخفافها في متابعة المخالطين.
لم يستوطن فيروس كورونا الأردن، ولم يخرج عن نطاق السيطرة، ولهذا السبب فقد زخمه في أوساط المواطنين، ولقي حتفه بفضل الحجر على القادمين ومتابعة المخالطين، وضبط الحدود بعد مرحلة ارتباك تسببت بتسجيل عشرات الحالات.
والأهم في هذا الصدد أنه لم يعد لدينا حالات مجهولة المصدر، فكل حالة تم تسجيلها في الأسابيع الأخيرة بتنا نعرف أصلها وفصلها.
هذه الميزة الأردنية ليست دائمة أو قابلة للصمود في قابل الأيام، وذلك أمر لم يستخف به الوزير أو يتجاهله، فقد أكد في نفس المقابلة وفي تصريحات عديدة أن الوضع القائم حاليا مرشح للتغيير في حال فتح الحدود بقيود مخففة أمام المسافرين، وإطلاق النشاط العام في البلاد دون تدابير صحية فعالة، والسماح بفتح صالات الأفراح ودور العزاء.
هناك إجماع من قبل خبراء الصحة العالميين باحتمال كبير لموجة ثانية أشد شراسة للفيروس، خريف وشتاء العام الحالي، خاصة مع عدم وجود لقاح جاهز في الأسواق.
ذلك يعني أن الأردن مرشح لمعركة ثانية مع الفيروس يمكن تجنب خسائرها الفادحة، إذا ما التزمنا بإجراءات مشددة في المطارات والمعابر البرية. لكن السؤال المحير هو، هل يمكن الاستمرار في سياسة الحجر بالفنادق عند فتح المطارات أمام حركة المسافرين بشكل كامل؟ وهل يكون الحجر المنزلي كافيا وفاعلا؟
ماذا عن حركة السائحين القادمين للأردن، وكيف يمكن ضمان عدم نقلهم للفيروس ومخالطتهم للمواطنين في الأماكن العامة؟
هذه الأسئلة هي التي تبعث على الشكوك في الأسابيع المقبلة، وترفع منسوب القلق من موجة ثانية.
حديث الوزير عن موت الفيروس محليا كان دقيقا قبل تصريحه الأخير، وإلا لماذا ضغطنا جميعا من أجل فتح الاقتصاد واستهجنا استمرار الإغلاق وحظر التجول في أربع محافظات أردنية لم تسجل فيها إصابة واحدة؟
الفيروس مات ونشف لكن يمكن أن تبعث الحياة فيه من جديد إذا فتحنا أجواءنا دون تدابير صارمة، وعدنا لحياتنا الطبيعية وكأن شيئا لم يكن.
مات ونشف ولكن – فهد الخيطان
8
المقالة السابقة