أثار قرار الحكومة المصرية المؤقتة إعلان جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية جدلا واسعا داخل مصر وخارجها .. ففي الداخل رحب قطاع عريض من المصريين بهذا القرار، وهناك من اعتبره تأخر كثيرا بينما عارض البعض هذا القرار لكونه سيزيد من حدة الانقسامات داخل المجتمع المصري، فيما اختلف فقهاء القانون ورجال القضاء حول هذا الأمر، حيث يرى البعض أن هذا القرار يخضع لرقابة القضاء وأن لصاحب المصلحة أن يطعن أمام القضاء ضد هذا القرار وفي النهاية سيكون القول الفصل للسلطة القضائية .. بينما هناك فريق أخر يرى أن قرار الحكومة يعد عملا من أعمال السيادة التي لا يجوز الطعن عليها بأي طريق من طرق الطعن ولا يجوز للمحاكم على اختلاف أنواعها النظر في مثل تلك القرارات أو التعرض لها بالتأييد أو بالتعديل!!
جماعة الإخوان المسلمين من جانبها رفضت اعتبارها جماعة إرهابية وأعلنت تحديها لهذا القرار، ودعا التحالف الوطني لدعم الشرعية الذي يقوده جماعة الإخوان إلى تنظيم مسيرات تحت شعار “الانقلاب هو الإرهاب” ووعد ببدء موجة ثورية جديدة تحت عنوان “أسبوع الغضب” لإسقاط النظام الحالي وعزل الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور، وهو ما شهدته مصر بالفعل خلال الأيام القليلة الماضية، حيث خرج أنصار جماعة الإخوان في مظاهرات غاضبة في العديد من المحافظات في تحد لقرار إعلان الإخوان جماعة إرهابية انتهت بوقوع قتلى ومصابين كما حدث في محافظات القاهرة وأسوان والمنيا والفيوم والشرقية ودمياط، فضلا عن القبض على العشرات من أنصار جماعة الإخوان وحبسهم على ذمة التحقيق معهم في إثارة الشغب واستخدام العنف والاعتداء على المنشآت العامة ورجال الجيش والشرطة!!
لقد بدأت الحكومة المصرية المؤقتة بالفعل في اتخاذ الإجراءات بشأن إخطار دول العالم حول إعلانها جماعة الإخون المسلمين جماعة إرهابية، وتقوم وزارة الخارجية هذه الأيام بإخطار الدول العربية الأعضاء في اتفاقية مكافحة الإرهاب “17″ دولة عربية” بقرار اعتبار الإخوان جماعة إرهابية، وهناك دول عربية بالفعل رحبت بهذا القرار وأعلنت تأييدها مثل المملكة العربية السعودية التي أعلنت تضامنها مع الشعب المصري في قرار الحكومة المصرية بإعلان جماعة الإخوان جماعة إرهابية، بينما أكد الإخوان في ليبيا وتونس والجزائر والأردن وسوريا رفضهم هذا القرار ووصفوه بـ”الظالم”.. وفي المقابل يكثف التنظيم الدولي للإخوان اتصالاته مع عدد من الدول العربية والأجنبية لإقناعهم بعدم الاعتراف بقرار الحكومة المصرية اعتبار جماعة الإخوان جماعة إرهابية!!
الولايات المتحدة بدورها لم ترحب بهذا القرار وأعربت عن قلقها وطالبت مصر ـ على لسان جينفر ساكي المتحدثة باسم الخارجية الأميركية ـ بعملية سياسية شاملة لإعادة الاستقرار، حيث أكدت ساكي على أنه يجب أن يكون هناك حوار ومشاركة سياسية من قبل جميع الأطياف السياسية في مصر .. وفي نفس الوقت أكدت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية إدانة بلادها للتفجيرات الأخيرة التي شهدتها مصر في إشارة إلى تفجير مبنى مديرية الأمن بمحافظة الدقهلية، معربة عن شعورها بالقلق البالغ إزاء توابع الأحداث وآثارها المحتملة على التحول الديمقراطي في مصر، لافتة في نفس الوقت إلى أن جماعة الإخوان أدانت تفجير مديرية الأمن بالدقهلية بعد وقت قصير من حدوثه، وهو ما يعني رفض واشنطن وصف جماعة الإخوان بالإرهابية طالما أنها أدانت هذا الحادث الإرهابي!!
القوى السياسية في مصر رحبت بدورها بإعلان جماعة الإخوان جماعة إرهابية ورأت أنه ليس المهم اتخاذ القرار، بل المهم في كيفية تنفيذه على الأرض فكيف ستصنف مواطنا مصريا يعيش بين المواطنين على أنه “إخواني” .. وكيف سيكون الحال لو كان إنسانا مسالما هل سيطلق عليه “إرهابي”، وهل كل المنتمين لجماعة الإخوان يطلق عليهم “إرهابيون” طبقا لتصنيف الجماعة كجماعة إرهابية .. بمعنى أن كل إخواني حسب هذا التصنيف أصبح مدانا لمجرد انتمائه لهذه الجماعة .. بل وماذا عن المتعاطفين مع جماعة الإخوان هل سيطلق عليهم أيضا “إرهابيون”؟!.. تساؤلات كثيرة في الشارع المصري تبحث لها عن أجوبة، بينما الحكومة المؤقتة اتخذت قرارها الذي ترى أنه يتفق وصحيح القانون!!
لقد استندت الحكومة المصرية في قرار إعلان الإخوان جماعة إرهابية إلى المادة 86 من قانون العقوبات المصري، حيث تنص هذه المادة على أنه يقصد بالإرهاب كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديد أو الترويع يلجأ إليه الجاني تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي بهدف الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر إذا كان من شأن ذلك إيذاء الأشخاص أو إلقاء الرعب بينهم أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بالاتصالات أو المواصلات أو بالأموال أو المباني أو بالأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها .. وتنص المادة 86 مكرر على أنه يعاقب بالسجن كل من أنشأ أو أسس أو أدار جمعية أو هيئة أو منظمة أو جماعة أو عصابة يكون الغرض منها الدعوة إلى تعطيل أحكام الدستور أو منع إحدى مؤسسات الدولة من ممارسة أعمالها .. ويعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة كل من تولى زعامة أو قيادة أو مدها بمعونات مادية أو مالية مع علمه بالغرض الذي تدعو إليه ويعاقب بالسجن 5 سنوات كل من انضم إلى إحدى هذه الجمعيات أو المنظمات أو الهيئات أو الجماعات المنصوص عليها، بينما تكون العقوبة الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة إذا كان الإرهاب من الوسائل التي تستخدم في تنفيذ الأغراض التي تدعو إليها الجمعية أو الهيئة أو المنظمة أو الجماعة!!
إن إعلان الإخوان جماعة إرهابية ضربة قوية للتنظيم الذي تأسس العام 1928 حيث يعد القرار أعنف ضربة لجماعة الإخوان منذ تأسيسها، وهو ما يمثل تحول مذهل في تاريخ الجماعة التي لعبت دور الثائرة في عهود جمال عبدالناصر وأنور السادات، وبقيت سنوات في السجون في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك ثم انتقلت إلى قمة السلطة في أعقاب أحداث الـ25 من يناير العام 2011 لتجد نفسها اليوم جماعة إرهابية بقرار حكومي وليس قضائيا، وهو ما يعني أن القضاء ستكون له الكلمة العليا والقول الفصل بشأن ما إذا كانت جماعة الإخوان إرهابية من عدمه!!
سامي حامد/الإخوان .. من جماعة ثائرة إلى حاكمة إلى إرهابية!!
13
المقالة السابقة