تتجدد في شهر رمضان الفضيل من كل عام ، دعوات محمومة ، على شاشات الفضائيات ، وفي كافة وسائل الإعلام ، والتي تتركز على توجيه الانتقادات لبعض الأعمال الدرامية أو الكوميدية أو الاستعراضية مثل الكاميرا الخفية وغيرها ، وأخص بالذكر ما يقدمه عماد الفراجين ورامز جلال .
اللافت أن معظم الأعمال التي يتم توجيه سهام النقد لها ، تحصد أعلى نسبة مشاهدة ومتابعة من قبل المشاهدين العرب ، الأمر الذي يؤشر على خلل واضح ، ويدل على أن الشخصية العربية لديها نوع من الانفصام في الإدراك والوعي وأبسط قواعد التعامل مع ما يحيط بها .
إن أي عمل درامي ، سواء أكان مسلسلا أو فيلما ، تاريخيا أو اجتماعيا أو كوميديا ، وأي برنامج استعراضي لا يجد فيه الناس قيمة ما ، ولا يعبر عنهم ولا يقدم لهم خطابا يحترم فيها ذواتهم وإنسانيتهم ، هم ببساطة غير مضطرين لمتابعته ، ولا حتى بأي شكل من الأشكال ، إذ بإمكانهم الحفاظ على فكرهم وذواتهم من السطحية والابتذال والسخف بواسطة كبسة على جهاز التحكم ” الريموت كنترول”.
المفارقة في الموضوع ، أننا هنا ، ننتقد ونتابع ، ومعظم التبريرات تنصب وتتركز على أننا مدركين لتفاهة هذا المسلسل أو البرنامج ، ولكننا نتابعه -هكذا على سبيل التسلية – فهم يسوقون عذرا أقبح من ذنب المتابعة ، لأن المتابعة لمثل هكذا أعمال تزيد من أرباح منتجي هذه الأعمال الهابطة وتشجعهم على استنساخها كل عام .
حينما يكون الجمهور المتابع على مستوى من العقلانية ، التي تتيح له التمييز بين العمل الفني العميق من جهة وبين السطحي والهابط من جهة أخرى ، وبين العمل الفني الذي يستخف بعقله ، والعمل الذي يعامله باحترام ، حينئذ نستطيع إيقاف تناسل تلك الأعمال ، فالأمر أشبة بدائرة مغلقة ، أساسها المشاهد نفسه ، الذي يستطيع بكبسة صغيرة على “الريموت كونترول ” تغيير القناة الفضائية ، ومتابعة أي عمل فني أو برنامج يناسب فكره ولا يستخف به .
أخطر ما يمكن أن يتعرض له الإنسان المعاصر هو عملية استلاب الفكر والعقل ، واستلاب القدرة على التمييز بين الغث والسمين ، لأن الإنسان المفتقر للقدرة على التفكير الحر ، شبيه بالسجين دون قيود ولا زنازين ، سجين لحالة عامة يتم تسويقها لتتناسب وفكره الهش وغير المحصن .
ان الانجرار وراء التيار الجارف مما يعرض على الإنسان العربي من أعمال ،سواء كانت درامية أو فنية أو إعلامية ، وعدم القدرة على وضع حد لحالات غسيل الدماغ ، بشكل مباشر أو غير مباشر ، كفيل بتحطيم ما تبقى من عوامل نجاة للإنسان العربي ، اذ ان الفكر الحر هو الحصن الوحيد الذي يتعين على الجميع أن يلوذ به ، ولا ينبغي التفريط بحريتنا الفكرية ، لأن تداعيات ذلك مدمرة وتنذر بالخراب وعظائم الأمور .
اكتب رسالة…
” حافظ على فكرك بالريموت كنترول ” / بقلم : عمر ضمرة –
16
المقالة السابقة