عروبة الإخباري -كتب سلطان الحطاب
والسؤال كيف يضع الأردن نفسه على الخارطة، ويذكر بدوره ومكانته رغم شح الموارد و ضيق المساحة.. فالأردن ليس بلد نفط او غاز او ثروات كبيرة طائلة، وإنما هو بلد الانسان بلا ريب وبلد المبادرة والقدرة على العطاء، وربما كان ذلك ثمرة نظام لم يقتل الانسان في انساننا ولم يقمع المبادرة والريادة او الرغبة في المشاركة وقبول الآخر.
وأذكر أن الملك الراحل الحسين طيب الله ثراه كان مبادراً حين أرسل العديد من شباب الوطن للانخراط في قوات حفظ السلام الدولية بارتداء القبعات الزرقاء.. وقد أخذهم من القوات المسلحة ليجعل إسم الأردن الذي حملوه على رؤوسهم ينسحب على أجزاء كثيرة من مساحة العالم وخرائطه.
نعم عرف الكثيرون في العالم الأردن من خلال مساهمات أبناءه في حفظ السلام، فكانوا سفراء له، وكان ذلك مما اجترحه الأردن لأنه “حين تقوم الإرادة فلا تعدم الوسيلة”..
نعم ظهر الاردن حمامة سلام حين الحروب الاهلية والأزمات الكونية والكوارث الطبيعية، وساهم بما استطاع “فإن تبدي رغبة وفيه وتبادر كأنك فعلت”، ولذا كان الأردن بعلو همّته يرغب أن يحشر نفسه مع الكبار وفي خنادقهم الأولى برأسمال هو همّته وإرادته وتميّز العنصر البشري والانساني فيه..
هذا العطاء يتكرر الآن.. ففي الوقت الذي تضيق الأرض على أهلها بما رحبت في وجه جائحة الكورونا، وفي الوقت الذي يفر المرء من أخيه وصاحبته وبنيه حماية لنفسه، وفي الوقت الذي تتقطع السبل بالكثيرين ويحصد الوباء الالاف بل الملايين في استمراره تظهر اليد الأردنية تلوح أنها تحاصر الوباء وأنها ترتفع فوقه ولن يتمكن من دفنها او ليها او ثنيها.
نعم تظهر اليد الأردنية.. وها هو الملك عبد الله الثاني وبنخوة أردنية معروفة يدعو لإرسال أطباء وممرضين و أدوية ومستلزمات طبية لهذا المرض إلى عديد من البلدان التي يحاصرها الوباء وحتى الى الولايات المتحدة ذات الثقل الاقتصادي الكبير، ليشهد العالم أن بلدا صغيرا محدود الموارد يتمتع بهمة كبيرة، قادر ان يتقدم الصفوف، في حين ان بلدانا حين داهمها الوباء كُشفت اوضاعها الداخلية و لم ينفعها المال في انقاذ الارواح..
قد يجادل أحد في أننا بحاجة إلى كل طبيب وممرض وكمامة وجهاز يرسل، وقد نجيب بالاتفاق مع هذا الرأي.. ولكن كيف ظل الأردن رقما في المعادلات الدولية، وكيف كان نجمه يلمع ليراه الكون، لولا مثل هذه المبادرات التي تنم عن صلابة عوده وسلامة نواياه وأصالة مجتمعه..
لم نضيق ذرعا بالوافدين واللاجئين الذي حظينا بحصة الأسد منهم، فمئات الاف اللاجئين في المخيمات والوافدين من العمالة يجلسون الآن على القدر الأردني الذي ما زال يكفي.
لم يتافف الاردنيون ولم يلعنوا بل تضامنوا وشكروا ودافعوا ولم يقولوا ما قال أصحاب النفط بضرورة ان يُرمي الوافدون الى الصحراء، لأن للأردن وافدين وفيه لاجئين، ولأنه قطعة من رحمة حماها الله لنواياها وأبعد عنها الكوارث..
ها نحن مازلنا رغم العوز والحاجة والمديونية نتصدر المشهد العالمي بهمة قائد الوطن الذي تتحرك مبادراته داخل الوطن وخارجه لدى الأشقاء والاصدقاء ليؤكد الترابط العالمي والاسهام الانساني ونصاعة الصورة الأردنية..
الأردن من القبعات الزرقاء إلى البيضاء..
8
المقالة السابقة