ثمة طفل سوري صغير يعيش مع والديه لاجئا في لبنان لم يتحمل قساوة الصقيع الذي انقض فجأة وبدون سابق إنذار على المنطقة فغادر دنيانا على الفور لأن والديه لم يتكمنا من توفير الدفء له فليس ثمة غطاء كاف والنوم بخيمة ليس بمقدورها وقف صواعق البرد والطعام شحيح والدواء منعدم.
من هنا جاءت الصرخة من مؤتمر المنظمات الإنسانية التابعة للدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي في دورته الخامسة والتي اختتمت أمس – الأحد – بمدينة اسطنبول التركية داعية إلى الإسراع في توفير متطلبات حماية ملايين اللاجئين والنازحين السوريين سواء بالداخل أو بدول الجوار ونظرا لشدة مكابداتهم مع هبوط موجة الصقيع تحدث أحد المشاركين في المؤتمر واسمه لطفي السيد من منظمة الإغاثة الإسلامية بلندن مطالبا كل من يمتلك حسابا مصرفيا بأن يتبرع لإنقاذ أطفال ورجال وعجائز اللاجئين والنازحين والذين لا يمتلكون القدرة على التصدي لضربات البرد ولغيرها من الظواهر الطبيعية وإلا فإنه سيتعرض لعقاب الخالق ثم واصل صرخته المدوية في جلسة خاصة عن الوضع الإنساني في سوريا: نحن هنا جالسون في قاعة دافئة بينما ملايين السوريين يقيمون في خيام تخاصم الدفء تماما مشددا “لا يجوز لنا أن نسمح بتكرار حالات الموت من جراء الطقس الشديد البرودة”.
بالطبع البرد القارص هو آخر تجليات مكابدات هؤلاء اللاجئين والنازحين والذين يقدر عددهم الإجمالي بنحو 7 ملايين سوري خارج البلاد وداخلها ولكن ثمة مظاهر أخرى قام بشرح ملابساتها على مدى اليومين الفائتين وكنت شاهدا على ذلك ولعل في مقدمة هذه المكابدات الغياب شبه الكامل لسلطات الدول التي لجأ إليها السوريون والتي تتعامل مع الحالة من منظور بيروقراطي وتشاركها في ذلك بعض منظمات الأمم المتحدة خاصة للذين يرغبون في تسجيل أنفسهم رسميا حتى يحظوا ببعض الخدمات وهو أمر قد يستغرق فترة زمنية تتراوح بين شهر وستة أشهر، قد يلحق فيها المريض بربه أو تتكالب عليه المحن وربما يرقد في خيمة الإيواء منتظرا مصيره المجهول وفي الداخل ليس ثمة ملجأ بعد الله إلا لبعض المنظمات الإنسانية المحلية أو الإقليمية وربما الدولية وأغلبها يخشى الأوضاع الأمنية فيفضل العمل على الحدود والمعابر.
هذا أولا أما ثانيا: النقص الواضح في الخدمات الصحية والتي تقدم في أغلب دول الجوار في حدها الأدنى وهناك حالات حرجة لا يمكن لأصحابها التقدم للمستشفيات الحكومية أو الخاصة نظرا لارتفاع كلفة الأطباء ناهيك عن كلفة العمليات الجراحية التي لا يمكن للاجئ أن يجريها إلا بعون من منظمة خيرية والغريب كما علمت من المناقشات أن هيئات كالصليب الأحمر الدولي وبعض المنظمات التابعة للأمم المتحدة لا تقدم إلا الدواء ولا تعني كثيرا بالعمليات الجراحية فيرحل البعض لعجزه عن أداء ثمنها وإن كانت هناك منظمات محلية تحاول أن تقدم شيئا في هذا السياق خاصة اتحاد الجمعيات الخيرية في لبنان والهيئة الخيرية الهاشمية في الأردن وبعض المؤسسات في العراق وتركيا.
ثالثا: التعليم وما أدراك ما التعليم فأبناء اللاجئين يعانون في هذا السياق على مستويين أحدهما يتعلق بغياب المباني الملائمة مع عجز في المعلمين والثاني يتعلق بالمناهج فعلى سبيل المثال في لبنان المدارس فيها تقدم دروسها باللغات الأجنبية إلى جانب العربية أما المناهج السورية فكلها باللغة العربية ومن لا يكون من السهولة بمكان التحاق تلميذ سوري بمدرسة لبنانية ولو نجحت المحاولة وذلك أضعف الإيمان فإنه يعاني من ازدواجية قاسية عليه وربما الأمور في العراق والأردن وتركيا أيسر قليلا وفي الداخل المدارس مدمرة والبعض عاد إلى نمط الكتاتيب لتلقى التعليم ومع ذلك ثمة إصرار على استكمال مراحل التعليم بمساعدة المنظمات الأقليمية والدولية ولكن ذلك يتطلب التوسع في تقديم الحلول العلمية التي تنقذ شباب سوريا خاصة اللاجئ مع ذويه بالخارج من جهل قد يفرض عليه ويحيله إلى حالة مخاصمة للعلم والتكنولوجيا.
رابعا: صحيح هناك جهود تبذل سواء على المستوى الإقليمي أو المستوى الدولي لكن الاحتياجات الخاصة باللاجئين والنازحين تتزايد يوما بعد يوما مع الخروج والنزوح الذي يأخذ شكل التدفق اليومي لاسيما مع اشتداد المعارك بين الثوار وقوات النظام السوري وآخرها في ليلة واحدة تدفق على مدينة عرسال اللبنانية القريبة من الحدود مع سوريا أكثر من 23 ألف لاجئ والمدينة بالأساس مكتظة بسكانها ولاجئيها فلم يكن أمام المنظمات الخيرية في المنطقة إلا أن توزعهم على مخيمات وبعضهم لم يعثر له على موضع قدم فيها- وكما يقول إبراهيم القطان ممثل اتحاد الجمعيات الإغاثية والتنموية في لبنان- فإنه لا يوجد في هذه المدينة مسجد أو صالة أو قاعة أو ملعب إلا وقد امتلأت عن بكرة أبيها باللاجئين.
خامسا: يعاني اللاجئون من غياب الجهات الرسمية التي بمقدورها توثيق حياتهم خاصة ما يتعلق بالزواج أو المواليد أو الوفاة وذلك يعطي فرصة للتلاعب بمقادير البعض أو قد يعرضهم للابتزاز في ظل ضعف بعض نفوس البشر.
سادسا: ثمة مفارقة في العراق فاللاجئون الأكراد يحظون بكل الرعاية في إقليم كردستان وإذا لجأ لاجئ عربي إلى واحد من مناطق الإقليم فإنه يطرد منها وفق رواية مسؤول بإحدى الجمعيات الخيرية التي ترعى أوضاع اللاجئين في بلاد الرافدين وهو ما يستوجب على الحكومة العراقية أن تسارع بفتح المزيد من أبوابها أمام اللاجئين العرب وفي حالة صحت هذه الرواية فالمرء يطالب هوشيار زيباري وزير الخارجية العراقي الكردي الأصل وهو شخصية تحظى بالاحترام بالمبادرة لإنهاء حالة التمييز بين اللاجئين على أساس العرق أو القومية أو حتى الدين.
ولاشك – الكلام للسفير عطاء المنان بخيت الأمين العام المساعد لمنظمة التعاون الإسلامي للشئون الإنسانية- أنه لن يكون هناك حل لمعضلات ومكابدات اللاجئين والنازحين السوريين إلا بالتعاون الجماعي والعمل المنسق بين مختلف المنظمات الإنسانية وتجاوز الأسلوب الفردي الذي تنتهجه بعض المنظمات وذلك حتى تتوافر إمكانية أعلى لمواجهة الكارثة الإنسانية, غير أن الأهم هو -حسب رؤية الدكتور أحمد طعمة رئيس الحكومة السورية المؤقتة – دعم صمود الشعب السوري والوصول لحريته ودولته الحرة المستقلة خصوصًا وأن هناك تسويات سياسية في الأفق ليس بوسع أحد أن يتكهن بما إذا كانت ستحقق أهداف الشعب بعد ثورته التي انطلقت قبل حوالي ثلاث سنوات.