بين قطبي المغناطس المتشابهين، يوجد منطقة خالية تماما من خطوط المجال المغناطيسي، والشحنات المتخالفة قطبيا هي فقط التي تنجذب تجاه بعضها، فشحنة موجبة في عمق القطب السالب، تكون مشدودة بعدة قوى جذب تجاه هذا القطب، وكذلك الدفء في القطب المتجمد، يكون نهبا للجليد، ولا يستمر دفيئا الا بتوفير بنى تحتية وفوقية، تحافظ على حرارته، ليتمكن من الاستمرار في طور حيوية، والاستمرار على قيد البقاء..
اربعة أيام قطبيات، قامت بزيارة المنطقة، فأدركنا معنى البرد في زمان كنا نعتقده دفيئا، ومكان اقتنعنا بأنه جذوة حب وحرارة انسانية، ولم تنكشف البنية التحتية لعمان , والمدن الكبرى، أعني صمدت حتى اليوم الرابع على التوالي، باستثناء عدم جاهزية شركة الكهرباء لمثل هذه الأيام القطبيات في أم الجامعات، فهذا رئيس الجامعة الأردنية يحمل شركة الكهرباء الأردنية المسؤولية عن عدم استجابتها لإصلاح الأعطال الكهربائية الناجمة عن تقطّع أسلاك الكهرباء «المعلقة»، تحت الأشجار الباسقة الكبيرة، وبعد انهمار الثلج بكثافة عالية، تكسرت مئات أشجار السرو والصنوبر، وتقطعت الأسلاك «المعلقة» ولم تستجب شركة الكهرباء لنداءات الجامعة بضرورة إصلاحها..
لم أكن أتوقع صمود «الكهرباء» في عمان وغيرها كل هذه الأيام، فنحن في عمق عاصفة قطبية، وما زالت الكهرباء مستمرة، وهذا يدل على متانة البنية التحتية ، فالظلام والبرد علامات موت، والحمد لله، مازالت الحيوية تدب في أوصال الوطن، برعاية من الله وبفضل يقظة وتأهب الجهات المسؤولة، كالدفاع المدني والأمن العام والقوات المسلحة وأمانة عمان وسائر البلديات، كلهم يبلون حسنا، ويقومون بواجبهم في عمق العاصفة الثلجية، علما أنني أقدم تقييما عن الأيام الأربعة الأولى، ولم يذب الثلج بعد، فذوبانه يعتبر التحدي الأكبر لقنوات تصريف المياه في المدن الكبيرة، خصوصا عمان التي أتمنى أن تتجنب الغرق حين يذوب الثلج «ويبين اللي تحته..ويختفي اللي فوقه».
تمكنت من القيام بعدة «طلعات» على السطح، في أوقات ذروة العاصفة، وعملت على إعادة تركيب أسلاك «الدش» وإعادة ضبط القنوات عدة مرات، وفي كل مرة كنت «أطلع» فيها الى السطح، كنت أقوم بإزالة الثلج المتراكم على كل الصحون اللاقطة المتواجدة على سطح العمارة، ويبدو أنه هو فقط العمل الجليل الجميل الذي فعلته في عمق الأيام «الثلجيات» الأربعة، وتمنيت لو قمت «بهزّ» كل الأشجار في الشارع المحيط بعمارتنا، بعد أن ناءت بحملها من حبات الخير، لكنني لم أفعل وتكسرت أشجار على جنبات الشارع وسقطت «معرشات « دوالي عند الجيران.. تمنيت لو قمت بهزّ الأشجار ليتساقط الثلج عنها وتبقى صامدة..
في الواقع أتمنى أن أقوم بهز ضمائر تنوء بأحمال من الثلج، وتتجمد عصورا، على الرغم من لهيب الدنيا على البؤساء والعقلاء والمؤمنين الشرفاء، تمنيت لو أهز الضمائر الساكنة تحت الجليد، فتصحو من غفلتها، وتتوقف على الأقل عن تقديم المتأخرين وتأخير المتقدمين..
إنها ضمائر تحولت لصناعة المعارف من النكرات المقصودة ومن غيرها، أتمنى أن تهتز وتتوقف عن عملها «الصقيعي»، وتعود الى السوية والتفاعل الدفيء..
إن قهر البؤساء والأنقياء أخطر من كل القنابل اليدوية والنووية.. فاهتزّي على وقع القول إن كنتي تفقهين قولا.
ibqaisi@gmail.com
ابراهيم عبد المجيد القيسي/اربعة أيام قطبيات
13
المقالة السابقة