عروبة الإخباري_كتب سلطان الحطاب
يحط السعوديون هذه المرة على بوابة مسقط ينشدون نفس الهدف الذي نشدته دول وهيئات ومؤسسات عربية ودولية من قبل وبعد أن أصبحت سمعة السلطنة مرتبطة بقدرتها على صناعة فرص السلام وعلى توظيف فائض قدراتها السياسية والدبلوماسية في هذا المجال…
وصلني بيان وزارة الخارجية العُمانية، فقد ظل صديقي وزير الإعلام العُماني النشيط الدكتور عبد المنعم الحسني يحرص على أن يضعني في صورة هذا الدور الإنساني المميز الذي رغبت دائما أن أسمع عنه، وأن أتابعه وحتى أكتب فيه، ولم يبخل عليّ فقد أرسل لي بيان الخارجية العُمانية الذي جاء فيه أن السلطنة ترحب بجهود المملكة العربية السعودية في التوصل إلى اتفاق الرياض بين بعض الاطراف اليمنية وقد ذكر البيان أن السلطنة تأمل في أن يمهد ذلك الإتفاق للوصول الى تسوية سياسية شاملة تنهي الأزمة الحالية في الجمهورية اليمنية الشقيقة”….
البيان صدر بعد ان استقبل السلطان قابوس نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان بن عبد العزيز في بيت البركة…
السلطان لم يكن بحاجة إلى أن يُذكر بخبراته وخبرات السلطنة في مجال السعي بالسلام والمصالحة وتقريب وجهات النظر وبناء الفرص ونزع فتيل الخلافات فقد أدركت المملكة السعودية ذلك وكان للسلطنة في ذلك امثلة وشواهد على المستويات العربية والدولية، فقد حطت في مسقط من قبل وفود أمريكية وإيرانية لتنتج الحاضنة العُمانية الدافئة بالمحبة والوئام الاتفاق الإيراني – الأمريكي المسمى(5+1) والمتعلق بنشاطات ايران النووية قبل أن يجمده الرئيس ترامب لتدفع المنطقة من استقرارها ثمنا لذلك…
المهمة السعودية في مسقط لم يرشح الكثير عنها لكن دوافعها تقرأ من العنوان الذي اعلن فقد ظلت السلطنة على الحياد الإيجابي في الصراع اليمني اليمني، وظلت تستنكر الحرب في اليمن وعلى اليمن أيا كان مصدرها ومسبباتها وظلت تدرأ عن نفسها الشبهات باستمرار الحياد وعدم الانحياز الى طرف على حساب الآخر وظلت تعلن مواقفها بشفافية رغم الإشاعات و تسريب الأخبار الملفقة متعددة المصادر عن تدخل عُماني في شؤون اليمن وعن نقل أسلحة ايرانية إلى الساحة اليمنية أو غير ذلك…. ولم تضع سلطنة عُمان من خلال رؤية قائدها السلطان قابوس رأسها في الرمل و لم تهرب من استحقاقات الجوار والعروبة والإسلام بل إنها أعادت إنتاج طاقتها في الحرص على الاشقاء اليمنيين الذين مثّل صراعهم ألما في خاصرتها لتقدم لهم الكثير من المساعدات وخاصة استقبال المرضى والجرحى وحتى استقبال قيادات الأطراف المتصارعة سواء المسماة للشرعية أو جماعة الحوثي لتوفر لهم حوارا ولقاءات وامتنعت عن إستقبال أي طرف يريد استغلال استقبالها لتحقيق أي امتياز كما حظرت على الأطراف الواصلة للتراب العُماني إمكانية القيام بأي عمل يخل بعلاقة السلطنة مع أي طرف….
كانت السلطنة وما زالت صاحبة مبادرات معلنة في هذا المجال ولم تكن في أي يوم من الأيام ترغب أن تتفاقم المشكلة اليمنية أو أن تخرج من بين يدي أبنائها…
وكانت ترغب أن تنجح الوساطات الدولية المتكررة عبر أكثر من مبعوث دولي وقد وضعت السلطنة دورها وخبرتها في خدمة ذلك ووجهت لذلك ودعمته وفي نفس الوقت حذرت السلطنة وما زالت تحذر من تضييع الفرص ومن استشراء القتال أو الإمعان فيه أو الاعتقاد للحظة واحدة بالحل من خلال السلاح أو القوة….
لقد نصحت السلطنة وفي أكثر من تصريح على لسان وزير الشؤون الخارجية العُماني السيد يوسف بن علوي بضرورة الأخذ بالحوار والتفاوض الذي يخدم المصالح اليمينة الوطنية العامة ويبتعد عن الصراعات المقسمة…
لسوء تقدير من أكثر من طرف استمرت الحرب في اليمن وتتالى السنوات وما زال اليمن يتفتت وتتدهور موارده ويدمر مواطنوه ويتحول إلى بيئة غير صالحة للعيش والى ساحة مجاعات وأمراض….
كما أن هذه الحرب التي احتاج وقفها إلى حكمة السلطان قابوس آكلت الأخضر واليابس وقوضت موازنات المملكة العربية السعودية وأطراف أخرى متورطة فيها..
تستحضر الأطراف الدولية الآن الدور العُماني وتلتفت إليه وتسعى له المملكة العربية السعودية فالترياق هذه المرة في مسقط أن جرى الأخذ بالوصفة العُمانية وصرفت وصفة النصيحة السلطانية والتصور التنفيذي الذي قدمه وزير الدولة للشؤون الخارجية العُماني…
لقد أدركت الأطراف اليمنية الآن أنها لن تحقق مكاسب أخرى بالقوة والتعنت وأن إستمرار ذلك يعني المزيد من الاستنزاف المالي والبشري… وكأني بالسلطان في هذه الحرب الشبيهة مع الفارق بداحس والغبراء بمثل موقف الهرم بن سنان الذي مدحه زهير بن أبي سلمى في معلقته باعتباره حكيما ومنقذا ومعادياً للحرب بقوله يخاطبه ويخاطب رفيقه الحارث بن عوف ….
تَدَارَكْتُـمَا عَبْسًا وَذُبْيَانَ بَعْدَمَـا تَفَـانَوْا وَدَقُّوا بَيْنَهُمْ عِطْرَ مَنْشَـمِ
وَمَا الحَـرْبُ إِلاَّ مَا عَلِمْتُمْ وَذُقْتُـمُ وَمَا هُـوَ عَنْهَا بِالحَـدِيثِ المُرَجَّـمِ
فهل ادركت المملكة العربية السعودية والطرف اليمني الذي يصارعها أن هذه الحرب شؤم وأنها تلد كما يقول زهير بن أبي سلمى… مشوهين وقتلى وجرحى وأنها حين تبعث لا يعلم أحد مستقرها ونهايتها فالذي يشعل النيران ليس كمن يطفئها…
الرسالة السعودية وصلت وهي تبنى برغبة التقطها السلطان وسيحولها إلى وساطات وثقل وجهد عُماني جديد يسعى بين الاطراف وهذه المبادرة التي نأمل لها النجاح إذا ما حسنت النوايا وتوفرت الإرادة سوف توضع في سجل عُمان لصناعة السلام وحسن الجوار فالمصالح العُمانية الوطنية هي مهدده أيضا اذا استمر الصراع الذي له ارتدادات تصيب كل الأطراف في تلك المنطقة الحساسة…
عُمان أيها السادة هي حجر أساس في منطقتها وهي تختزن جهودا كبيرة يمكنها توظيفها دون فرض أو تدخلات قصيرة وهي لا ترد طالباً لهذه الجهود يكون راغباً في توظيفها من أجل إحداث السلام ووقف الحرب .
وكما نجحت عُمان في رد مصر إلى العرب ورد العرب إلى مصر بعد قطيعة النظام العربي الرسمي لمصر في أعقاب ” كامب ديفيد”.. وأيضا الدور العُماني المسطور في كتب التاريخ عن الوساطة الناجحة في ايقاف الحرب العراقية الإيرانية ، وأيضا عن جهود أخرى في إطلاق سراح أسرى ومفقودين لصالح أكثر من دولة أجنبية وعن دورها في تقريب وجهات نظر دول عربية داخل مجلس التعاون وخارجه، وعن وقوفها إلى جانب الكويت في محنة الغزو عليها وعن عدم الموافقة على تدمير العراق وإلغاء حصاره، وعن رفض التوتر في مضيق هرمز .
إن سجل سلطنة عُمان في هذا المجال أصبح مرجعية تعود إليها كثير من الأطراف التي تستشعر أهمية هذا الدور..
الحرب في اليمن وعلى اليمن حتى الآن انضجت مواقف جديدة كانت وراء الدافع السعودي لطرق الباب العُماني، وقد كانت سلطنة عُمان دائما جاهزة ومستجيبة ومرحبة فهي ترى أيضا مصلحتها في وقف هذه الحرب العبثية المدمرة وكان لها نفس الرؤية في الحرب على سوريا وفي سوريا و كانت سياسة السلطنة الخارجية من الشجاعة أن خرجت عن الإجماع الخليجي، حين رأيت أن النيل من سوريا أرضاً ووحدة تراب وشعب هو النيل من الأمن القومي العربي برمته ولذا بادرت دون إنتظار ثناء او نقد من أي جهة إلى دورها الذي رأته في استقلال رؤيتها ومراعاة مصالحها…
وفي هذا السياق أيضا لم تتردد السلطنة في الوقوف إلى جانب جهود السلام لحل القضية الفلسطينية وإعادة أطرافها إلى الحوار وكان جهدها ملموسا وعلنيا ومقدرا من جانب الشعب الفلسطيني حين زار الوزير يوسف بن علوي القدس و صلى في مسجدها الأقصى وجال في شوارع مدن فلسطين وتفقد أهلها وشد من أزرهم وقد جاء البيوت من أبوابها وسلم على أهلها وزرع فيهم إمكانية أن يحدث السلام وأن الصمود والمرابطة كفيل بتقريب يوم الخلاص والاستقلال…
نعود إلى المهمة اليمنية التي ظلت عُمان قريبة منها ومتحسسة عن تداعياتها وظلت ترى فيها مشكلة وطنية عُمانية تحتاج إلى حل سريع نتيجة التداخل الجغرافي والتاريخي العُماني اليمني ونتاج لما تجلبه الحرب واستمرار الصراع من تداعيات خطرة..
مرة أخرى وكالعادة تعود سلطنة عُمان بجهودها الدبلوماسية لتحتل عناوين الصحف ، وقد أصبحت الحاجة ماسة الى اعراب الجملة العُمانية التي طال انتظارها، فالذين قالوا بعدم جواز اعرابها لم ينجحوا وها هي جملة عُمان تتفاعل ولم تعد جملة معترضة!!