وصفني من يدعي الأمانة والشرف، والمنتمي الى حزب إسلامي إخواني، بأنني مدعي ثقافة وجاهل وضحل التفكير ومحدود المعرفة! وحيث ان مقالي اليومي، وأقول ذلك مضطرا، الأكثر متابعة وقراءة، وفق ما قيل لي، فهو بالتالي يتهم، عن جهل طبعا، كل من يتابعني بأنه يقرأ لجاهل ويتابع صاحب فكر ضحل، ويهتم بكتابات محدودي المعرفة!
سألت مدعي الاستقامة والشرف هذا أن يجيب عن سؤالي على الكيفية التي يسعى فيها الإخوان المسلمون الوصول الى الحكم، على ضوء رفض مؤسسهم ومرشدهم للديموقراطية والأحزاب طريقا، مع اعتبار الوصول الى السلطة فرضا على كل مسلم وركنا أساسيا من أركان الدين كالصلاة والصوم؟ فلم يجب. طلبنا منه ومن غيره، أكثر من مرة، أن يشرح معنى ودلالات وجود سيفين، وكلمة «أعدوا» في صلب شعار «الإخوان»، فرد بأن تأسيس الإخوان تزامن مع وعد بلفور وبداية دخول اليهود فلسطين، وكان على الأمة ان تعمل جاهدة لتحرير الأراضي من المستعمر الأجنبي، الذي لم يكن يحترم إرادة الشعوب، ولم يعط أي اعتبار لحريتها وكرامتها؛ لذلك كانت قناعة المرشد ان الجهاد في سبيل الله هو الطريق الى الحرية من الاستعباد والاحتلال الأجنبي! وهذا كلام رائع، ولكن لا علاقة له بالواقع، وأقرب للادعاء الكاذب. فقد انشغل إخوان مصر، الذين وقفت المخابرات البريطانية وراء تمويلهم، منذ يومهم الأول، في الخوض في وحول السياسة المصرية، وفي ارتكاب عشرات جرائم الاغتيال الجبانة ضد قضاة ورؤساء حكومات وضباط كبار، ولم يطلقوا، خلال نصف القرن الماضي على الأقل، طلقة أو «طقعة» واحدة ضد إسرائيل! كما سخر المدعي من الطريقة التي وصفت بها عمليات الإخوان الإرهابية، وكيف انني تطرقت الى أمور لا تمتّ الى الإرهاب بصلة، وهذا دليل على قلة الفهم بالفعل. فالإرهاب الفكري أشد خطرا وقوة من إرهاب القنبلة أو المسدس. فالإرهاب لا يقتصر فقط على استخدام العنف لتحقيق أغراض سياسية، وللوصول الى السلطة من خلال ارتكاب اعتداءات فردية أو جماعية أو تدمير ممتلكات، وهذا ما يقوم به الإخوان حاليا في مصر، بل تعني أيضا محاولة الجماعات الدينية السياسية فرض أفكارها ومواقفها أو مذاهب دينية سياسية معينة على الآخرين بالقوة. ويدرج تحت الإرهاب الإصرار، بقوة الاستجواب، على تعيين الضعيفي القدرة والقليلي الفهم في مناصب الدولة العليا، ليتم التخريب على ايديهم! فكل جهة تعطي نفسها وضع الوصاية على الغير، كما يفعل الإخوان، فإنها تمارس الإرهاب الأخطر. فكل أولئك الذين التحقوا بالمنظمات الإرهابية لم يفعلوا ذلك غالبا لأن أحدا مارس الإرهاب المسلح ضدهم، بل لأنهم تعرضوا لإرهاب فكري وحرمان سياسي. وبالتالي، فإن صنوف الإرهاب التي سبق أن تطرقنا إليها، والتي سخر منها الجهلة، هي الأخطر، وهي التي تدمر المجتمعات، وتفرق الشعوب.