تميل كثير من التحليلات إلى السؤال حول ما هو متوافق عليه وما هو مختلف فيه بين الرئيس الأميركي، دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو فيما يتعلق بسياسات الشرق الأوسط، سواء مستقبل غزة أو إيران أو الضفة الغربية أو سورية أو لبنان أو حتى الاعتراف بـ»أرض الصومال»، لكن السؤال الأصوب، الذي من المفترض ألا نبحث عنه من خلال تصريحات الرجلين، بخاصة ترامب، الذي لا يوجد على كلامه «جمارك»، كما يقولون، هو ما الذي يتفقان عليه بصورة غير معلنة، ويخططان له لمستقبل المنطقة!
المفارقة أنّه بالرغم من كم التحليلات الهائلة للمؤتمر الصحفي واللقاء الذي جمع الرجلين أول من أمس في فلوريدا، فإنّ الحقيقة هي أنّه لا جديد بعد اللقاء، وكلام مبهم غامض، لا يجيب عن أي أسئلة معلّقة إلى الآن، سوى تأكيد ترامب أنّهما اتفقا على أغلب الملفات، لكن على ماذا اتفقا؟! بخاصة فيما يتعلق بسورية وتركيا ولبنان؛ لا يوجد تحديد وتأطير واضح لذلك!
دعونا نأخذ مثالاً على ذلك الحالة السورية، إذ يبدو الموقف الأميركي مختلفاً عن إسرائيل، التي ترفض الحكم الجديد، وتدعم بصورة مباشرة وغير مباشرة عملية تقسيم لسورية، وفصل للجنوب عن العاصمة، أو في الحدّ الأدنى الهيمنة العسكرية والأمنية على المنطقة الجنوبية بالكامل. وفي المقابل بالرغم من دعم أميركا لأحمد الشرع، الرئيس السوري، والإشادة المتكررة به من قبل ترامب، إلاّ أنّ الأخير لا يقوم بأي عمل لكفّ يد إسرائيل عن الأراضي والسيادة السورية، وعلى ما يبدو هنالك نقاط اتفاق غير معلنة حول هذا الملف.
فيما يتعلّق بالضفة الغربية، أعلن ترامب رفضه لضمها لإسرائيل، لكنّه لا يقوم بأي شيء ضد ذلك، ومن الواضح أنّ هنالك ضوءاً أخضر لنتنياهو للاستمرار بتغيير الواقع والاستيطان وإعادة الاحتلال الكامل، بل أكثر من ذلك يبدو ترامب مستعداً لمقايضة الموافقة على سياسات إسرائيل في الضفة الغربية مقابل تنازلات إسرائيلية (وهمية أو جزئية) فيما يتعلق بملف غزة.
وهكذا يمكن أن نلاحظ حالة الغموض والعمومية المتعمدة في موقف الرجلين أيضاً من الضربة العسكرية لإيران، وكما يذهب المحلل السياسي الإسرائيلي، د. إبراهيم بن زيفي، فإنّ أنظار ترامب تتجه إلى «تتركّز أنظاره على تشكيل بيئة إقليمية مستقرة، يرى نفسه في قلبها وسيطاً ماهراً قادراً على حل نزاعات طويلة الأمد ومشبعة بالعنف»، بمعنى أنّه يرى نفسه مقاولاً ماهراً في تأجيل الأمور الصعبة وتفكيكها وعقد الصفقات في نهاية اليوم، وعليه فإنّ بن زيفي يتوقع « تفكيك المرحلة الثانية إلى عدة مراحل فرعية، يتم التقدم فيها بصورة تدريجية ووحدوية، من الأبعاد الأقل توتراً وخلافاً نحو جوهر الصراع الأكثر تعقيداً».
في الخلاصة بعيداً عن أسئلة الاتفاق والاختلاف، فإنّ هنالك ما هو أعمق بين نتنياهو وترامب، وهو كما يصف بدقة المحلل الإسرائيلي أريل كاهانا، في مقالته في إسرائيل هيوم، بأنّ ترامب معجب بنتنياهو وكلاهما ينتمي للمدرسة نفسها، وسوف يدعمه في الانتخابات القادمة 2026، ويفسّر ذلك بـأنّ التفاهيم ليس تكتيكياً أو عابراً بل يقوم على تقاطعٍ أيديولوجي عميق؛ فكلاهما ينتمي إلى يمين قومي متشدد، يتبنّى رؤية محافظة، صدامية، ومشكّكة بالمؤسسات الليبرالية التقليدية. ويرى الكاتب أن هذه القواسم المشتركة تجعل ترامب أقرب سياسيًا ونفسيًا إلى نتنياهو من أي زعيم إسرائيلي آخر، إذ يتشاركان الشك في «النخب»، وبما يُسمّى الصوابية السياسية، والنزعة القومية الحادّة، إضافة إلى مقاربة أمنية متشددة ترى القوة والحسم فضيلتين سياسيتين لا عيوبًا.
العلاقة بين إسرائيل وأميركا، عموماً، هي علاقة المنزل الواحد والأسرة، ويمكن أن نضيف عليها الجانب الأيديولوجي والديني وفريق ترامب، فإنّ المهم بلقاءات الرجلين ليس ما يعلنانه بل ما يخفيانه؛ وما نراه في المنطقة من اليمن إلى سورية فالصومال وليبيا وغزة والضفة وإيران يشي بأنّ هنالك طبخة تفوح رائحتها.
ليس ما يعلنانه بل ما يخفيانه!* د. محمد أبو رمان
2
