عروبة الإخباري –
الديار – ندى عبد الرزاق –
في كل شتاء يتبدَّى عالم الفيروسات في أخطر تجلياته؛ بحيث تكمن تلك الكيانات الميكروبية في الظل، وتستغل برودة الطقس وزحمة البشر في الداخل لتندفع بقوة نحو أهدافها. ليس هذا مجرد موسم عابر من نزلات البرد، بل مرحلة بيئية مثالية لتسريع التغيرات والتحوّرات في الفيروسات التنفسية، لتصبح أكثر انتشارا وتحديا للصحة العامة. في جميع الأحوال، في أواخر عام 2025، لم يعد الحديث عن الإنفلونزا مجرد تقليد موسمي، بل عن واقع جديد يتطلب تقييماً تحليلياً عميقاً.
طفرة موديلات جديدة!
وسط هذا المشهد، ظهر اسم فيروس الإنفلونزا A من النمط H3N2 كواحد من أبرز العوامل الفيروسية التي تجتاح العالم في هذا التوقيت من السنة. هذه السلالة، لقبت بتسميات مختلفة مثل “الإنفلونزا الخارقة” بسبب شدة فتكها وسرعتها في الانتشار وقدرتها على التكيف. كما أثارت اهتمام الخبراء بعد تسجيل زيادات حادة في عدد الحالات ضمن عدة دول منذ خريف 2025، مع سيطرة واضحة على النشاط الفيروسي الموسمي هذا العام. هذا ما أكدته منظمة الصحة العالمية (World Health Organization) بعد رصد نشاط غير معتاد لهذه الفئة في عدد من الدول خلال موسم الشتاء الحالي.
وفي زاوية أخرى من هذا الفضاء المرضي، تعود إلى الظهور تسميات أقل شيوعاً لكنها مربكة على جدول رصد الصحة العالمية؛ مثل فيروسات الإنفلونزا الطيرية من المجموعة H5، بما في ذلك H5N5. هذه الاصناف المعروفة بأصلها الحيواني لا تزال في نطاق انتقال محدود من الحيوان إلى الإنسان، لكن تسجيل حالات بشرية نادرة ومقلقة خلال 2025 بما في ذلك أول حالة بشرية مؤكدة من H5N5 في الولايات المتحدة، يضعها تحت المجهر البحثي والمراقبة الدولية. وقد تحدثت منظمة الصحة العالمية (World Health Organization)، عن أهمية متابعة هذه الحالات على الرغم من ندرتها وعدم انتقالها بين البشر حتى الآن.
طفرات هجينة!
وعلى هذا الاساس، عند تقاطع الإنفلونزا الموسمية المتحوّرة والفيروسات ذات الأصل الحيواني ذات الإمكانات التنفسية، تتبدل قواعد اللعبة. إنه مشهد صحي عام يفرض نفسه على أجندة الأخبار والتحقيقات العلمية، لا لأن الفيروسات الجديدة تشكل كارثة عالمية في حد ذاتها، بل لأنها تثبّت أن التفاعلات بين الإنسان والفيروسات هي حلبة مفتوحة للتطور والتحول المستمر، وتستحق أن تُروى وتُفهم بوضوح.
الإصابات تتسارع عالمياً… خضّات “الإنفلونزا الفتّاكة” مرعبة!
بناء على ما تقدم، حذر خبراء الصحة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة من موجة إنفلونزا غير مسبوقة، وارشدت هيئة الخدمات الصحية البريطانية الى ضرورة تلقي لقاح الإنفلونزا للوقاية من أعراضها، بينما لمّحت منظمة الصحة العالمية (World Health Organization) إلى أن الطعوم لا تزال توفر حماية فعالة ضد الأعراض الشديدة.
وعلى الرغم من أن الشتاء يمثل عادة فترة نشطة للأمراض التنفسية، خاصة الإنفلونزا الموسمية، فقد أطلق على هذه الشعبة الجديدة اسم “الإنفلونزا الخارقة”. وفقاً لصحيفة The Hill الأميركية، شهدت مدينة نيويورك في الأسبوع الأول من الشهر الحالي ارتفاعا بعدد المصابين مقارنة بنفس الفترة من العام الفائت.
وبناء على ما ذكر، السلالة المنتشرة حاليا هي فيروس الإنفلونزا A من النمط H3N2، الفرعية K، والتي تتصدر المشهد الصحي عالميا بوصفها من أكثر فئات الإنفلونزا شراسة وتأثيرا، خصوصا بين الأطفال وكبار السن.
الاحتراز خلال الأعياد “اجباري”
من جهتها، تكشف الصيدلانية إيمان عيتاني لـ “الديار” أن فيروس الإنفلونزا الحالي H3N2 هو نوع يشهد تحورات دورية، ولا علاقة له بكوفيد-19. لذا، يتطلب التعامل مع هذا الفيروس وعيا كاملا بالإجراءات الوقائية للحماية الشخصية والحد من الانتشار”.
وتؤكد أن: “هناك ارتفاعاً ملحوظاً في عدد الإصابات مؤخرا، الأمر الذي يجعل الالتزام بالتدابير الطبية أكثر أهمية، خصوصا مع دخول موسم الأعياد وازدياد التجمعات والاحتفالات، حيث قد يكون الأشخاص معرضين للاختلاط مع آخرين مصابين بالفيروس. وبالتالي، تشمل الاحتياطات الأساسية تجنب الأماكن المزدحمة قدر الإمكان، واستخدام الكمامة عند الضرورة، لا سيما عند وجود احتمالية مخالطة أشخاص مصابين أو مشتبه بإصابتهم. كما تشدد على أهمية تعقيم اليدين والأسطح بشكل مستمر ومتكرر للحد من انتقال الفيروس”.
أما بالنسبة للعلاج، فتوضح أن “الأدوية الموصوفة للحالات المؤكدة تشمل كلاً من “Flumivir وTamiflu”، وهي أدوية معتمدة لتخفيف شدة الأعراض وتسريع التعافي من سلالة H3N2. وتوجز الأعراض الشائعة لهذه السلالة بالآتي: ارتفاع درجات الحرارة، التعب والإرهاق العام وآلام الجسم والشعور بالإعياء. وتبدأ عملية التعافي عادة خلال 5 إلى 7 أيام، رغم أن بعض الأعراض قد تستمر حتى أسبوعين”.
ضحايا H3N2 في تصاعد متواصل .. لكن لا داع للهلع!
على الصعيد المحلي، تعيش المستشفيات اللبنانية ضغطًا متزايدا بسبب ارتفاع أعداد المرضى بفيروس الإنفلونزا H3N2، وفق متابعة “الديار”. ويشهد المشهد الصحي جهودا حثيثة من الأطباء والصيادلة لتوعية المواطنين بأهمية فهم حالتهم الصحية والالتزام بالإجراءات الوقائية. وخلال جولة ميدانية أجرَتها “الديار” على عدد من الصيدليات كشفت أن أغلب الأدوية الموصوفة حاليا ترتبط بعلاج H3N2، فيما أظهرت زيارات المستشفيات الجامعية الكبرى في بيروت أن الحالات اليومية في الطوارئ تشمل جميع الفئات العمرية، إلا أن الأطفال هم الأكثر تأثرا بالفيروس.
وفي هذا الإطار، تداولت أخبار عبر منصات التواصل الاجتماعي عن إغلاق مدارس في زحلة والبقاع قبل عطلة الأعياد الرسمية، ما يعكس حجم المخاوف المجتمعية، ومع ذلك، تؤكد جهات طبية في وزارة الصحة لـ “الديار” أن الأعراض المعروفة للفيروس يمكن السيطرة عليها عن طريق التقيد بالإجراءات الاحترازية وتعقيم اليدين والأسطح.
وبرغم أن هذه الظاهرة ليست محصورة في لبنان، بل تتكرر عالميا خلال موسم الشتاء، تشدد الجهات الطبية على أن اتباع الاحتياطات بات أكثر أهمية مع اقتراب موسم الأعياد وتزايد التجمعات العائلية لتقليل فرص انتقال الفيروس بين الأفراد.
