عروبة الإخباري
ليس كل من نلتقيهم نعرفهم، وليس كل من نعرف أسماءهم نعرف حقيقتهم.
ثمّة بشرٌ لا يُكشفون بالاقتراب، بل بالتحوّل الداخلي لمن يراهم، وهكذا كانت فلك الرافعي.
لم يكن جهلي بها نقص معلومات، بل نقص زمنٍ داخلي. فالأساطير لا تُدرَك في زمن الاستعجال، والشخصيات التي تُبنى من معنى لا تظهر لمن يبحث عن أثر سريع.
كنت أظن أني أعرفها، لأن الاسم مألوف، ولأن الأثر حاضر، ولأن الواجهة متزنة وواضحة.
لكن الوضوح ليس الحقيقة دائمًا، بل أحيانًا هو ستارها الأرقى.
عام 2025: لحظة الانكسار
ثم جاء عام 2025، لا كرقم في التقويم، بل كلحظة انكسار في زاوية الرؤية، لحظة فهمتُ فيها أن بعض الأشخاص لا يُكتشفون لأنهم تغيّروا، بل لأننا نحن تغيّرنا بما يكفي.
في هذا العام، أدركت أن فلك الرافعي، (مع حفظ الألقاب) ليست سيرة تُروى، ولا مشروع صورة، ولا حالة ثقافية قابلة للاستهلاك.
هي بنية؛ بنية عقلية، وأخلاقية، وجمالية لا مثيل لها، تسر الناظرين.
العيش فوق الزمن
في الفلسفة القديمة، كان يُقال إن الإنسان إمّا أن يعيش في الزمن أو أن يعيش فوقه.
وفلك الرافعي لا تعيش داخل اللحظة، بل تنظر إليها من علٍ، تزنها، ثم تقرر إن كانت تستحق أن تُمنح جزءًا من ذاتها.
الأسطورة الحقيقية
وهنا تبدأ الأسطورة…الأسطورة ليست حكاية خارقة، بل حضورًا لا يهرم.
الأسطورة هي الشخص الذي لا تلتهمه المواسم، ولا تُربكه الموجات، ولا تُغريه الكثرة.
وفلك الرافعي، من هذا الطراز النادر:
لا تتبدّل لتُرضي،
ولا تتصلّب لتُقاوم،
بل تثبت… وكأن الثبات موقف فلسفي.
هي لا ترفع صوتها، لأنها تفهم أن الصوت العالي علامة فراغ لا علامة قوة.
ولا تُكثر من الحضور، لأنها تعرف أن المعنى كلما قُلّ ظهوره زاد وزنه.
الكلمة والصمت
في 2025، انكشف لي الجانب الذي لا يُكتب عنه كثيرًا: جانب الإنسانة التي تعرف أن الكلمة ليست حقًا مطلقًا، بل أمانة، وأن الصمت ليس ضعفًا، بل قرارًا أخلاقيًا حين يصبح الكلام خيانة للفكرة.
فلك الرافعي لا تتعامل مع الفكر كأداة اشتباك، بل كمسؤولية وجود.
هي لا تسأل: “ماذا أقول؟”، بل: “هل يستحق هذا أن يُقال أصلًا؟”
خارج السرب
وفي عالمٍ يُكافئ السرعة، ويقدّس الضجيج، ويخلط بين الحضور والهيمنة، تبدو فلك الرافعي ككائنٍ خارج السرب، لا لأنه يرفضه، بل لأنه لا يحتاج إليه.
هي ابنة إرث، لكنها لم تُدلل به، وريثة اسم، لكنها لم تختبئ خلفه، بل تعاملت مع الإرث كما يتعامل الحكماء مع السيف: يحملونه وهم يعرفون أن الخطأ في استعماله أخطر من عدم حمله.
الوراثة الحقيقية
في الأساطير، الورثة الحقيقيون لا يكررون ما كان، بل يُعيدون صياغته بأدوات زمنهم دون أن يخونوا روحه.
وهنا نجحت فلك الرافعي في أصعب امتحان: أن تكون امتدادًا، لا ظلًا،
وأن تكون وفية دون أن تكون أسيرة.
هدوء مدروس
عام 2025 علّمني أن هدوءها ليس حيادًا، بل سيطرة على الاتجاه، وأن تباعدها عن المعارك ليس خوفًا، بل وعيًا بأن بعض المعارك تصغّر من يدخلها.
الوجود والكينونة
في الفلسفة الوجودية، يُقال إن الإنسان يُعرّف بما يختار أن لا يكونه.
وفلك الرافعي تعرف تمامًا ما لا تريد أن تكونه، ولهذا بالضبط تعرف من هي.
اليوم، حين أقول إنني اكتشفتها متأخرًا، لا أعتذر عن التأخير.
فالتأخير كان شرطًا. لم أكن مستعدًا قبل الآن لأن أرى المعنى حين لا يصرخ.
المسار لا الواجهة
فلك الرافعي ليست شخصية تُشرح، ولا حالة تُختصر، ولا اسمًا يُستعار للزينة.
هي مسار، والمسارات لا تُفهم من أول خطوة، وإن كان عام 2025 قد كشف لي شيئًا واحدًا، فهو هذا: أن بعض البشر لا يُقاسون بما يفعلون، بل بما يمتنعون عن فعله، وبما يحافظون عليه في زمن التفريط.
معنى باقٍ
وفلك الرافعي واحدة من أولئك الذين إذا فهمتهم، أدركت أن الفهم نفسه كان رحلة، وواحدة من تلك القلّة التي إذا مرّت في حياتك علّمتك – دون درس – أن المعنى ليس فيما يُقال، بل فيما يبقى حين يسكت كل شيء.
