تيمنا بأفراح البدايات الجديدة -الميلاد المجيد ورأس السنة المباركة-، واستبشارا بالمزيد منها وديمومتها، وددت -افتراضيا وعن بعد- لو فتحت أمامنا عبر تطبيق ذكي مثلا فرصة الاستثمار بالقطاع السياحي.
تراني وكأنني أحاكي في مخيلتي هذا الحلم الافتراضي، فأطلب إلى القائمين على هذا القطاع الحيوي الواعد، أطلب إليهم وليس منهم، أن تتضمن فرص الاستثمار الوطني خيارات حول أنواعها وحجم النسب المراد استثمار أي مبلغ فيها حتى وإن كان فلسا واحدا أو «سنتا» كالذي تم إلغاؤه في بلاد العم سام مؤخرا. فلسا لا على غرار «فلس الريف» المضاف على فاتورة الكهرباء، بل مشاركة «فلس» رمزي قد يتجاوز في قيمته السوقية «دينار التلفزيون»، مرفوعا إلى أسّ عالية، تتعاظم مع كل دورة استثمارية والتي كما الزراعة، قد يكون من المفيد أن تكون حولين كاملين، حتى يتجذّر البذار، ويمتدّ الغراس، فيكثر الحصاد وتتضاعف خيراته وبركاته أكثر وأكثر.
متعددة ووافرة هي خطط الادّخار والاستثمار في «بلاد الأحلام» أمريكا، لكن من أحلاها وأعلاها مصداقية هي تلك التي لا يكون فيه المستثمر مستشارا، بل صاحب قرار قطعي وحصري. يُسأل الموظف في القطاعين العام والخاص في حال اختيار تلك الخطط عن قراره الشخصي في توزيع استثماره، ماله ومال أحبابه -أسرته- من بعده. بعضها يذهب بعيدا لدرجة عرض فرص استثمارية حتى خارج أمريكا طبعا عبر شركات أمريكية أو أقله معتمدة في البوصات الأمريكية. وكما هو الحال في أي قرار، لا بد من حسن صنع القرار قبل توقع الموفَقَيّة في اتخاذه، وذلك لا يتأتّى إلا من خلال عملية تراكمية تفاعلية ومتواصلة لحسن قراءة المؤشرات، بعد فهم وتوظيف الحقائق كما هي بموضوعية، لا رغائبية!
معايير الربح والخسارة في ذلك الادخار والاستثمار لا تكون ضربة حظ، بل حسن تحليل واتخاذ القرار المناسب في التوقيت المناسب، والأهم بالكيفية الأنسب. قطعا، التوفيق والرزق بأمره سبحانه من قبل ومن بعد، لكننا مدعوون إلى حسن الائتمان على القليل حتى يرزقنا الله الكثير.
بصرف النظر، أين احتفظ الناس بنقودهم وبطاقاتهم المصرفية في جيب خلفية أم أمامية في الصدارة أو إلى جوار القلب، فإن التاريخ الشخصي والمهني الخاص والعام في الدنيا ما زال يثبت أن ابن آدم ينفق حيث يؤمن ويعشق وينتمي، لذلك فحتى الاستثمارات خارج مملكتنا الحبيبة، مسألة من الإنصاف انتقادها مالم تكن مكملة ورديفة للإنفاق والادّخار والاستثمار في الأردن أولا..
نسمع قصائد وأغاني كثيرة وديباجات أكثر في الإعلام التقليدي والجديد من مفوّهين، من أي قطاع كانوا -خاصا أم حكوميا (عاملين أم متقاعدين) نلمس فيه الوفير والنبيل من المشاعر والمواقف، نسمع شعرا ونثرا بجبال عجلون والشراه ولا نرى استثمارا وطنيا فيها على النحو المأمول خاصة من المقتدرين خارج المملكة، وكذلك الحال في البترا والعقبة، والأهم وهذا هو ما يناسبه اليوم الخامس والعشرين من ديسمبر، هو الاستثمار الخاص الفردي والجماعي من داخل الوطن المفدى وخارجه في هذا الكنز الذي لا يضاهى من السياحة الروحية، السياحة الإيمانية، الدينية بجناحيها المسلم والمسيحي، لا بل ولأي معتقدات لحضارة ضاربة الجذور في الأردن الغالي، وعلى رأسها الحضارة النبطية.
الرؤوس كما الصدور عامرة بالأفكار الخلاقة والمشاعر الدفّاقة، الكثير منها قائم على ما عاشه الأردنيون في دنيا السياحة والغربة والهجرة. على بعد زهاء ساعة من بيتي في ضواحي واشنطن مجسم كامل «رِبْلِكا» لكنيسة القيامة، للقدس العتيقة يسير فيها الزائر على خطى الحج المسيحي المقدس. كلما زرت دير رهبان الفرنسيسكان -كخريج كلية تراسنطة الأردنية في عمّان- كلما زرته في جنوب شرق العاصمة واشنطن بصحبة أصدقاء، زدت على مرافقنا «مضيفنا في الدير» بأن خارطة الحج المسيحي تشمل أردننا الحبيب، حيث أجد هناك استمارات للراغبين بالتسجيل في زيارة خاصة من عدة ولايات أمريكية إلى الأراضي المقدسة، بمواسم الأعياد، الميلاد المجيد وعيد القيامة (الفصح المجيد).
هذا القطاع واعد للإقامة لا الزيارة فقط، ثمة -وخاصة في سن التقاعد أو مطلع الشباب الباحث عن الرياضة الروحية والراحة النفسية- ثمة من يتطلع إلى صيام أربعيني يبدأ عبر نهر الأردن من أريحا ويقضي معظم أيامه في المغطس شرقي نهر معمودية السيد المسيح، وعجلون والسلط ومادبا وجبل نيبو، هبوطا إلى القدس في الفصح، أو بيت لحم أو الناصرة في الميلاد.
ما عنيت الاستثمار بفلس أو دينار، سنت أو دولار، بل بالروح التي تؤوب ولا تفنى، بالنفس المطمئنة التي لا تريحها إلا تلك السياحة، ولا تربح معها سوى تلك التجارة.
من الآخر، أردننا الهاشمي المفدى زاخر بالفرص الواعدة وأثمنها المستقبل على اتساع آفاقه، فهلموا يا مستثمرين وأقبلوا، ويا «مار حبا» بالجميع.. وكل عام والمحتفلين بميلاد «سيد المحبة» بألف خير، والناس أجمعين.
