عروبة الإخباري –
لم يعد الجدل المفتعل حول التعاون العسكري الأردني–الأميركي نقاشاً سياسيا طبيعيا، بل تحول إلى حملة تُعاد صياغتها من المصدر ذاته، عبر الأصوات ذاتها، التي تتدثر بشعارات “الممانعة” بينما هي في الحقيقة مرتبطة –سياسياً وخطابيا– بقوى إقليمية لا تُخفي خصومتها للأردن، ولا تتمنى له استقراراً ولا حضورا!
فأي سيادة يتحدث عنها هؤلاء وهم تُبّع، وهم آخر من يحق لهم الحديث عن الاستقلالية حين رهنوا أنفسهم للخارج؟
وأي غيرة على الوطن يدّعون، بينما لا تتحرك أصواتهم إلا على إشارة صادرة من عواصم تقضي الليل في طلب رضا واشنطن، ثم تخرج نهاراً لتزاود على الأردن وتطعن في خياراته؟
الأردن، بخلاف هؤلاء، يعرف تماما كيف تُبنى العلاقات الدولية وكيف تُدار.
لا يستعير موقفه من أحد، ولا يجعل خياراته أوراق ضغط ولا أدوات للتقلبات الإقليمية. فالتعاون العسكري مع الولايات المتحدة ليس طارئاً ولا سراً، بل جزء من رؤية دولية مدروسة رسخت مكانة الجيش العربي المصطفوي، ورفعت جاهزيته، ووفرت له خبرات متقدمة يستحقها جيشٌ حمل على كتفيه أمن دولة وسط واحدة من أصعب البيئات الجيوسياسية.
أما تصوير هذا التعاون على أنه “تبعية” فهو خطاب لا يصدر عن قراءة وطنية، بل عن أدوار مرتبطة بمشاريع تتغذى على إرباك الوعي وإثارة الشكوك. خطابٌ يهاجم الأردن حين ينجح، ويصمت حين يُطلب منه الصمت، لأنه ببساطة لا يمتلك حرية الموقف ولا شجاعة القرار.
واللافت أن أبرز من يرفع شعار “السيادة” اليوم هو نفسه من كان –وما يزال– جزءاً من أدوات إقليمية تستخدم الجماعات والمنابر لبناء نفوذها على حساب الدول المستقرة. يهاجمون شراكات الأردن، بينما دولهم التي يرفعون لها الرايات غارقة في تحالفات عسكرية تتجاوز بأضعاف ما هو قائم في الأردن… لكن الصمت هناك فضيلة، والصوت هنا “جهاد”!
هذه ازدواجية لا يمارسها إلا التابع، ولا يروجها إلا من لا يملك من أمره شيئاً.
الأردن، بقيادته الهاشمية، يدرك جيداً كيف تُقرأ خرائط القوة وكيف تُصان الدول.
سيادته لم تكن يوما مادة للمساومة: لا حين اختار الحرب، ولا حين اختار الهدنة، ولا حين حمل القدس أمانةً، ولا حين واجه مشاريع الفوضى. وهذه السيادة يحرسها الجيش العربي المصطفوي، الذي لم يُبنَ بالشعارات ولا تربّى على المزاودة، بل على الانضباط والاحتراف وعقيدة الدفاع عن الدولة.
ومن هنا، فإن حملات التشكيك ليست سوى صدى لمشاريع خارجية تدرك أن الأردن –بثباته واتزانه– حجر عثرة أمام أطماع كثيرة. إنها محاولات مستهلكة، مكشوفة المصدر، محدودة الأثر، لا تستحق الرد التفصيلي ولا الجدل الطويل.
فالأردن لا يحتاج شهادة حسن سلوك من أحد.
ولا يسعى لإرضاء أحد.
هذه دولة سيّدت نفسها بنفسها، وأدارت قرارها بعقلها، وحمت مكانتها بتاريخ هاشمي ممتد هو الأطول بين سلالات الحكم المعاصرة. قرارها تُحدده مؤسساتها الشرعية، لا ضجيج المنصات ولا هواة الاصطفافات.
نهادن، نحارب، نصالح، نعاهد… هذا شأن أردني خالص.
نحن نقرر… ولا نستشير… ولا نبرر.
والسؤال الحقيقي ليس: لماذا يتعاون الأردن عسكرياً مع الولايات المتحدة؟
بل: لماذا يزعج هذا التعاون جهات لا تملك أصلاً قراراً حراً ولا سيادة مستقلة؟
ولماذا يغضب من فقد قراره حين يرى دولة تعرف كيف تحمي قرارها؟
سيادة الدولة الأردنية ليست بنداً للنقاش، ولا مساحة للمزاودة، ولا بضاعةً على رفّ التخفيضات والشعبويات السياسية.
هي خط أحمر… لا يتجاوزه إلا من جهل معنى الدولة، ولم يدرك يوماً كيف تُصنع القرارات الكبرى.
وهؤلاء، مهما علا صراخهم، سيبقون على الهامش.
أما الأردن فسيبقى دائما في مركز الفعل… دولة ذات سيادة…لا صدى.
