يشهد سوق العمل العالمي تحولات غير مسبوقة مع التسارع الكبير في تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، التي لم تعد تقتصر آثارها على الوظائف الروتينية أو منخفضة المهارات، بل باتت تمتد إلى المهن التخصصية عالية الكفاءة، التي تشكل ركيزة اقتصاد المعرفة في القرن الحادي والعشرين.
وتشير تقارير دولية إلى أن الذكاء الاصطناعي سيعيد تشكيل طبيعة العمل خلال السنوات القليلة المقبلة، سواء عبر أتمتة المهام أو من خلال تعزيز الإنتاجية وإعادة تعريف الأدوار الوظيفية. ووفق تقرير “مستقبل الوظائف 2023” الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، من المتوقع أن تشهد نحو 23% من الوظائف حول العالم تغيرات جوهرية خلال خمس سنوات، مع استحداث 69 مليون وظيفة جديدة مقابل إلغاء 83 مليون وظيفة، ما يعني تراجعا صافيا بنحو 14 مليون وظيفة عالميا.
وفي السياق ذاته، ذكرت مجلة فوربس أن دراسة صادرة عن معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة بوسطن توقعت أن يحل الذكاء الاصطناعي محل ما يصل إلى مليوني وظيفة في قطاع التصنيع وحده بحلول عام 2026.
من جهته، أوضح تقرير لمعهد ماكينزي العالمي أن الذكاء الاصطناعي قد يضيف ما يقارب 13 تريليون دولار إلى الاقتصاد العالمي، مع توقع ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي التراكمي بنسبة 16% بحلول عام 2030، بالتزامن مع تبني نحو 70% من الشركات لتقنيات الذكاء الاصطناعي في عملياتها.
وفي المقابل، حذّر تقرير لبنك غولدمان ساكس من أن الذكاء الاصطناعي قد يؤثر على نحو 300 مليون وظيفة بدوام كامل حول العالم، مع أتمتة قرابة ربع مهام العمل في الولايات المتحدة وأوروبا، رغم مساهمته المحتملة في خلق وظائف جديدة ورفع الإنتاجية الاقتصادية على المدى الطويل.
أمام هذه التغيرات، يؤكد خبراء أن التحدي الأكبر أمام الموظفين لا يكمن في مقاومة الذكاء الاصطناعي، بل في التكيف معه. ويشدد المنتدى الاقتصادي العالمي على أهمية إعادة التأهيل المهني وتطوير المهارات، خاصة في المجالات المعرضة للتغير السريع، مع الاستفادة من فرص التعلم الرقمي المتاحة للجميع.
وتبرز عدة استراتيجيات أساسية للحفاظ على الوظيفة وتعزيز المسار المهني في عصر الذكاء الاصطناعي، أبرزها تبني التعلم مدى الحياة، وتنمية المهارات الشخصية مثل التواصل والذكاء العاطفي، والتحلي بالمرونة المهنية، إضافة إلى التخصص وبناء خبرة عميقة في مجالات محددة يصعب استبدالها بالآلات.
ويجمع الخبراء على أن الذكاء الاصطناعي لن يكون بالضرورة بديلا كاملا للإنسان، بل أداة قوية تعيد رسم ملامح سوق العمل، وتمنح الفرص لأولئك القادرين على التعلم المستمر والتكيف مع متغيرات العصر.
