ليست كل رواية قادرة على أن تترك أثرًا، وليست كل حكاية تُكتب لتبقى، لكن «وِنس سَلَف» تأتي كاستثناء نادر يفرض حضوره بثقة وهدوء، ويعلن منذ صفحاته الأولى أنه عملٌ خُلِق ليُعاش لا ليُقرأ فقط.
هنا، تكتب الدكتورة الإعلامية عبير العربي نصًا يتجاوز حدود الحكاية التقليدية، ليصير مساحة إنسانية عامرة بالصدق، ومشهدًا أدبيًا تتعانق فيه الذاكرة مع الإحساس، واللغة مع الروح.
إنها رواية تمتلك فخامة المعنى لا صخبه، وقوة التأثير لا ادعاءه، وتؤكد أن الأدب الحقيقي لا يحتاج إلى ضجيج ليُثبت قيمته، بل يكفيه أن يكون صادقًا… ليكون خالدًا.
ليست «وِنس سَلَف» عملًا عابرًا في خريطة السرد العربي، بل هي حالة أدبية مكتملة الأركان، تُكتب من القلب لتصل إلى القلب، وتُنسج بحرفٍ يعرف جيدًا أين يضع وجعه، وأين يخبئ نوره. في هذا العمل، تؤكد الدكتورة الإعلامية عبير العربي أنها لا تكتب لتُضاف إلى رفوف المكتبات، بل لتترك أثرًا باقياً في وجدان القارئ.
تنجح الرواية في إعادة تعريف الحكاية؛ فهي تُراهن على الإنسان قبل الحدث، وعلى الإحساس قبل الحبكة، وعلى الصدق قبل الزخرفة. لغتها أنيقة وعميقة، مشحونة بطاقة شعورية عالية، تجعل القارئ شريكًا لا متفرجًا، وساكنًا داخل النص لا عابرًا فوقه.
تمتلك عبير العربي قدرة نادرة على التقاط التفاصيل الصغيرة التي تصنع الحياة، وتحويلها إلى مشاهد نابضة بالمعنى. شخصياتها ليست مصنوعة من ورق، بل من لحم وذاكرة وتجارب حقيقية، تتكلم بصدق، وتتألم بصدق، وتمنح القارئ ذلك الإحساس الدافئ الذي يليق بعنوان الرواية: وِنس… ذلك الدفء الإنساني المفقود، وسَلَف… الحنين لما كان، ولما نحتاجه كي نستمر.
الرواية شهادة واضحة على نضج كاتبة تعرف جيدًا أدواتها، وتجمع بين وعي الإعلامي، وحساسية المبدع، وعمق المثقف. ولذلك لم يكن حضور «وِنس سَلَف» واستمرارها للعام الثاني على التوالي في المشهد الثقافي إلا انعكاسًا طبيعيًا لقيمتها الفنية وقدرتها على البقاء.
إن «وِنس سَلَف» ليست مجرد رواية تُقرأ، بل تجربة تُعاش، ورسالة تقول إن الأدب الحقيقي لا يضج بالصوت العالي، بل يهمس في الأعماق… ويبقى.
