عروبة الإخباري –
كتب رئيس تحرير موقع “الثائر” أكرم كمال سريوي –
في خطابات عديدة استخدم بنيامين نتانياهو نبوءات إشعيا، ليؤكّد على البعد التوراتي لاستراتيجية الحرب التي اختارها، ليفرض هيمنة إسرائيل على دول وشعوب المنطقة.
من الصعب تأكيد أو نفي نبوءة إشعيا، وما اذا كانت تقصد وقتنا الحالي أم غيره، في مسائل عديدة؛ بدءاً من تجميع الشعب اليهودي من بقاع الأرض الأربعة، وإعادة بناء الهيكل، وخراب مصر، وسيطرة إسرائيل على شعوب وأراضي المنطقة من النيل الى الفرات، وفق خريطة إسرائيل الكبرى، التي عرضها نتنياهو على الملأ، وقال بأنه يعمل لتحقيقها.
أسوأ ما في خطة نتنياهو وشخصيته هو الغرور وانعدام الواقعية، فهو يتحدث عن نبوءة إشعيا وردد في خطابه جزءاً منها يقول:
“الشعب السالك في الظلمة أبصر نوراً عظيماً، والمقيمون في أرض ظِلال الموت أضاء عليهم نور”
فهو يتحدث وكأن إسرائيل هي أهل النور، الذين يجب أن ينتصروا على أهل الظلام، من كل الشعوب المحيطة بها.
ما يفعله نتنياهو أشبه برجل يسكن مع عائلته في قرية كبيرة، هو يكره كل سكانها ويسعى لقتلهم واستعبادهم، ويتهمهم بالضلال والكفر، ويريد أن يستولي على بيوتهم وثرواتهم، ويدمّر مقدساتهم، ويذلّهم ويمحو ذكرهم عن وجه الأرض.
ماذا سيورث هذا الرجل لابنائه؟ وكيف لهم أن يستمروا بالعيش في تلك القرية، بعد أن يحقد كل أهلها عليهم وعلى والدهم؟؟؟ وكم من الوقت سيتحمّلون ظلمه وفساده في أرضهم وقريتهم، واستباحته لدمهم وكرامتهم؟؟؟!!!
قد يحظى هذا الشخص ببعض الدعم والتعاطف من سكان القرى المجاورة، وقد يأتي بعضهم للدفاع عنه، لكن لا احد منهم سيستمر إلى الابد في دعمه، خاصة بعد أن يكتشفوا تزييفه للحقائق، وأنه ليس مظلوماً، بل معتدياً وظالماً لأهل قريته ولأبنائه أيضاً.
لا يتجاوز عدد اليهود الذين يعيشون في فلسطين المحتلة ثمانية ملايين نسمة، وتحيط بهم أمة اسلامية تفوق المليار نسمة، تؤمن بأن القدس أولى القبلتين، وفيها ثاني الحرمين الشريفين، وصخرة معراج النبي الأكرم.
أمة قد تكون استكانت لفترة من الزمن، ومزّقتها رياح الغدر والتفرقة والخلافات والجهل، لكنها أمة نبي دعاها إلى التقوى والحق والجهاد في سبيل الله، ورفض الظلم والمعصية، ودعاها إلى الاتحاد في مواجهة المعتدين.
إنها أمة المليار مسلم بأيديولوجيا ايمانية عقائدية صلبة!!! وهي لن تسمح لنتنياهو أو غيره بالتمادي في غيّه، وتدنيسه للمقدسات، واستباحة دماء الابرياء، وانتهاك الحرمات والأعراض.
لقد اختار العرب طريق السلام، وقدموا من بيروت مبادرة سلام، ليعيشوا بسلام وأمان مع اخوانهم اليهود في فلسطين وجوارها، لكن نتنياهو وجماعة المتطرفين في إسرائيل، سيطروا على الحكم، ونقضوا اتفاقات أوسلو، وأعلنوا يهودية الدولة في كامل فلسطين، وضموا القدس، ويعملون الآن على قتل وتهجير الفلسطينيين من فلسطين، ويستمرّون بشنّ الحروب على معظم شعوب ودول الجوار، رافضين اي مبادرة سلام أو مفاوضات متكافئة أو وقف الاعتداءات.
ويقود نتنياهو وجماعته إسرائيل من حرب إلى حرب، معتقدين أن النصر سيكون دائمآ إلى جانبهم، مخالفين بذلك كل نبوءات انبياء بني إسرائيل، والكتب السماوية التي تنذر بعاقبة وخيمة للمعتدين، وكل المقاييس العلمية والمنطقية أيضاً، وكل تحذيرات علماء وخبراء اليهود وغيرهم في العالم.
لقد نجح الاسرائيليون في احداث دمار كبير في غزة ولبنان، وقضوا على الجيش السوري، وقبله العراقي والليبي، وقصفوا في اليمن وإيران والعراق، لكن هذا الافراط في استخدام القوة واستسهال العدوان وقتل المدنيين
وانتهاك كافة الاعراف والقوانين الدولية، خاصة القانون الدولي الانساني، جعل بعض الرأي العام العالمي، وخاصة الغربي الذي ساند ودعم إسرائيل لمدة عقود، يبدأ باعادة التفكير بالقضية الفلسطينية، وصياغة مواقف جديدة منها، ويعارض ما تقوم به إسرائيل من عمليات قتل وابادة للفلسطينيين.
يُحكى في تاريخ اليهود أنهم ثاروا على الرومان، وقادهم رجل اسمه شمعون، وكان هناك جماعتان من اليهود، هما الزيلوت والسيكاري.
كانت السمة المميزة لجماعة السيكاري استخدام أسلوب الاغتيال السياسي ضد الرومان واليهود على حد سواء. وقد طُرد السيكارى خارج القدس على يد اليهود انفسهم، وليس على يد الرومان.
ثم هرب السيكاري ولجأوا إلى قلعة تُدعى
مسّادا وخلال مكوثهم في المسّاداهاجم السيكاري القرى اليهوديةالقريبة، وقتلوا سكّانها، ونقلوا مؤنها إلى “المسّادا”، وكانوا مسؤولين عن مذبحة مروًعة، قيل أنها ضد نساء وأطفال أبرياء في عين جدي ولذلك قيل عنهم أنهم جماعة من القتلة اليهود،
ولم يكونوا من اليهود الزيلوت.
وبحسب الميتولوجيا اليهودية
حاصر الرومان المسّادا لأشهر، ورفض اليهود الاستسلام، فقاموا بقتل بعضهم البعض كي لا يقعوا بالأسر، وقتلوا غير المحاربين من الأطفال والنساء، وأصبحت تلك المذبحة تُعرف بالانتحار الجماعي لليهود.
يحاول بعض اليهود اليوم، استخدام تلك الروايات، كرمز للتضحية والصمود والنضال في سبيل الحرية، لكن في الواقع إن الذي قام بها هم جماعة من القتلة الذين لم يوفّروا اليهود الآمنين من الاعتداء والقتل، والأهم من كل ذلك أن نتائج تلك الحرب كانت كارثية على اليهود، وتسببت بالدمار الثاني للهيكل وكذلك بالسبي الثاني لقسم كبير منهم، بحيث تم بيعهم كعبيد فيروما ومعظم انحاءاوروبا. بعد كان السبب الأول على يد نبوخذنصر
يستغل نتنياهو اليوم التورات، ويستغل اليهود، خدمة لمصالحه الخاصة، ويقودهم إلى انتحار جماعي جديد، سيكون أشبه بيوم “المسّادا”.
فالتاريخ يعيد نفسه، وموازين القوى قد تتغيير وتتبدل في أي وقت، فلم تعد التكنولوجيا حكراً على احد، ولا يمكن لخيار الحرب أن يحمي إسرائيل، ولن يجلب لها السلام، فالسيف يواجه بالسيف، والظلم يولّد القهر، والعنف يجلب العنف، والبادي أظلم….
