عروبة الإخباري –
في زمنٍ تتسارع فيه الخطوات وتضيع فيه الأصوات، يبرز أحيانًا شخصٌ لا يشبه أحدًا… شخصٌ يثبت أن الوهج الحقيقي لا يصنعه الضوء، بل يصنعه القلب. هناك من يولدون وفي داخلهم شرارة مختلفة؛ شرارة لا تهدأ، لا تنطفئ، ولا تتراجع مهما اشتدّت الرياح. ومن بين هؤلاء، تقف لمى داوود، بثباتٍ لا يُعلَّم، وعزيمةٍ لا تُكتسب — لتعيد تعريف معنى الإصرار على الطريقة العربية الأصيلة.
ولأن وراء كل روح استثنائية أمّ استثنائية، فإن دعاء فاتن بي ملحم كان دائمًا البوصلة التي تهدي الخطى، واليد الخفية التي تمسح التعب قبل أن يراه الآخرون، والصوت الذي يهمس في كل لحظة: “امضِ… فأنتِ قادرة”.
هذه ليست قصة نجاح عابرة، بل قصة نورٍ لا يخفت… قصة قوةٍ تنمو، وإبداعٍ يمتد، وطموحٍ يسير بثقة نحو أفقٍ أوسع من الحدود.
وربما تكون شهادتي مجروحة، فأنا أزعم أنني عرفتها منذ سنواتٍ خلت؛ سنوات رأيت خلالها كيف تنمو الإرادة أمام عيني، وكيف تتشكّل العزيمة من تفاصيل صغيرة لا يلاحظها إلا من عرفها جيدًا. وما شهدته لم يكن عاديًا ولا عابرًا، بل كان نموذجًا حقيقيًا لما يجب أن يكون عليه الشباب والصبايا في عالمنا العربي.
كانت لمى داوود، ولا تزال مثالًا يُحتذى به؛ شخصية تصنع أثرًا دون ضجيج، وتشق طريقها بثبات لا يعرف اهتزازًا. وفي كل محطة من محطات حياتها، كانت القوة تظهر كأنها جزء أصيل من ملامحها، وكأن العزيمة سمة وُلدت معها لا اكتسبتها.
وبينما تتقدّم في مسيرتها، كانت لمى تستمر في الإبداع، كأنها خُلقت لتترك بصمة تختلف عن السائد. ومع كل محطة جديدة، تُثبت أن النجاحات ليست صدفة ولا لحظة عابرة، بل حصيلة جهدٍ متواصل ورؤية واضحة لما تريد أن تكونه. الجوائز التي تحصدها ليست مجرد تكريمات تُعلَّق على الجدران، بل شواهد حقيقية على قدرة شابة عربية على الارتقاء بمعايير الإبداع أينما حلّت.
تمشي بخطى ثابتة، واثقة، مدروسة… وهذا الوضوح في المسار هو ما يدفعها اليوم لتقترب أكثر فأكثر من منصّات العالمية.
لكن خلف هذه القوة الظاهرة… كانت هناك قوة أكبر، أعمق، وأصدق: دعاء والدتها فاتن بي ملحم.
لم تكن الأم شاهدة فحسب، بل كانت ركنًا لا يتزحزح، تمدّ ابنتها بالطاقة حين تتعب، وبالسكينة حين تضطرب الطرق، وباليقين حين تختلط الاتجاهات. كان دعاؤها يحوط خطواتها بحمايةٍ خفية، ويوشّح نجاحاتها ببركةٍ لا يعرف سرّها إلا من عاش أثر الأم في حياته.
إن هذه الفتاة لمى، التي عرفتها وأعرف تفاصيل جهدها لم تصل لأنها محظوظة، بل لأنها عملت، وصبرت، وتحملت مشقة الطريق. ومع كل خطوة تتقدّم بها؛ يتضح أن النجاحات ليست مجرد محطات وصول، بل هي انعكاس لمسيرة مليئة بالتحديات والانتصارات الصغيرة التي لا تُروى عادة.
ولذلك أقول وأنا مدرك تمامًا ما أقول إن هذه الشابة اليوم تمثل قدوة عربية مشرّفة؛ قدوة في الإصرار، في نظافة السعي، في احترام الذات، وفي الإيمان بأن الحلم مهما بدا بعيدًا… يصبح قريبًا حين يكون القلب ممتلئًا بالعزم ومعزّزًا بدعاء أم.
وفي زمن يحتاج فيه الشباب إلى نماذج تُشبههم، تُلهمهم، وتُخبرهم بأن الطريق ممكن؛ فإنها تُقدّم صورة مشرقة لما يمكن أن يصنعه مزيج من الإصرار الشخصي، والدعم العائلي، والإيمان بالله.
وهكذا تستمر رحلتها ليست كقصة نجاح فقط بل كدليل حيّ على أن العزيمة حين تترافق مع دعاء أم… تتحوّل إلى رسالة، وتصبح الرسالة قدوة، وتغدو القدوة أثرًا لا يمحى.
