بيت لحم تستعيد تدريجيًا حركتها السياحية مع اقتراب أعياد الميلاد بعد عامين من الحرب التي أغلقت الفنادق وأوقفت النشاط. إضاءة شجرة الميلاد أعادت الأمل، والفنادق تستعد لاستقبال الحجاج والزوار وسط أجواء احتفالية وروحانية.
بيت لحم (فلسطين) – خلال الأسابيع الأخيرة شهدت مدينة بيت لحم جنوبي الضفة الغربية المحتلة مؤشرات على عودة تدريجية للحركة السياحية، تزامنًا مع اقتراب أعياد الميلاد، بعد عامين من الحرب الإسرائيلية التي تسببت في إغلاق معظم الفنادق وركود واسع في القطاعات المرتبطة بالسياحة الدينية والتراثية.
هذه العودة تحمل معها بارقة أمل لسكان المدينة الذين ينتظرون موسم الأعياد بشغف، باعتباره فرصة لإحياء الاقتصاد المحلي وإعادة بث الحياة في شوارع المدينة العتيقة.
قال إلياس العرجا، نائب رئيس نقابة أصحاب الفنادق في مدينة بيت لحم، إن “الأجواء تتحسن وتعود عجلة العمل إلى الدوران، وتعود السياحة إلى فنادق بيت لحم، ويعود الحجاج المسيحيون إلى الأراضي المقدسة.” وأوضح أن إعلان بلدية بيت لحم ووزارة السياحة الفلسطينية إضاءة شجرة الميلاد في السادس من ديسمبر شكّل “نقطة تحول” في المزاج العام، إذ أعاد إلى المدينة أجواء الفرح والاحتفالات التي غابت طويلًا.
وتحتفل الطوائف المسيحية التي تعتمد التقويم الغربي بعيد الميلاد في قداس منتصف ليل 24 – 25 ديسمبر، فيما تحتفل الطوائف التي تتبع التقويم الشرقي في 7 يناير. هذا التنوع في المواعيد يجعل من بيت لحم مركزًا للاحتفالات الممتدة على مدى أسابيع، حيث تتزين الشوارع بالأضواء والزينة، وتقام الأسواق الشعبية التي تعرض التحف المصنوعة من خشب الزيتون، وهو رمز بارز للمدينة.
وبالتزامن مع اقتراب موعد إضاءة شجرة الميلاد، بدأت المدينة تستعيد ملامحها الاحتفالية. الساحة الرئيسية أمام كنيسة المهد تزيّنت بالأضواء والنجوم المضيئة، فيما نصبت منصات للعروض الفنية والموسيقية التي يشارك فيها فنانون محليون وفرق كورال كنسية.
وتستعد البلدة القديمة لاستقبال الآلاف من الزوار الذين يتوافدون لمشاهدة الموكب التقليدي الذي يشارك فيه رجال الدين والفرق الكشفية، وسط أجواء من الفرح والبهجة.
يقول العرجا إن “الحجوزات مستقبلية، وبعد إعلان إضاءة الشجرة بدأنا نستقبل رسائل بالبريد الإلكتروني تتساءل عن الأسعار والجاهزية، وهذا يوفر حركة وعملا.”
وأشار إلى أن الحركة السياحية قد تزداد يوم إضاءة الشجرة ويوم عيد الميلاد، لكن نسب حضور السياحة الدينية المسيحية لا تزال أقل من المتوقع، مضيفًا أن “الزوار بدأوا يسألون عن عيد الفصح المجيد وعن مواسم السياحة القادمة في السنة المقبلة، وإذا بقيت الأوضاع هادئة في الأراضي المقدسة فستكون الأمور سالكة وجيدة.”
ووفق العرجا تضم مدينة بيت لحم عشرات الفنادق التي تحوي آلاف الغرف، إضافة إلى فنادق جديدة قيد الإنشاء ستضيف مئات الغرف خلال العامين المقبلين. لكنه أشار إلى أن الحرب الإسرائيلية خلال العامين الماضيين تسببت في إغلاق غالبية الفنادق، فيما استمرت ثلاثة إلى أربعة فنادق فقط في العمل كونها مملوكة لعائلات تديرها بشكل مباشر. هذا التوقف الطويل ألحق أضرارًا داخلية بالمنشآت، وتسبب في فقدان مئات العمال وظائفهم، ما دفعهم إلى البحث عن أعمال بديلة.
ورغم هذه التحديات يوجّه العرجا رسالة إلى المسيحيين في العالم مفادها أن “بيت لحم وفلسطين عمومًا آمنتان، بل أكثر أمانًا من كثير من الدول. حتى إن شركات إسرائيلية تلزم أدلّاءها وسائقيها بالمبيت في فنادق بيت لحم مع المجموعات السياحية، وهذا دليل على الثقة بالمكان.” وأكد أن الفنادق مجهزة بما يحتاجه الزوار، وأن المدينة تستعد هذا العام لاستقبال الحجاج والزوار من مختلف أنحاء العالم.
بيت لحم هي رمز ديني وروحي عالمي، إذ يُعتقد أن السيدة مريم وضعت طفلها المسيح عيسى في المغارة التي أقيمت فوقها كنيسة المهد. هذا الإرث الروحي يجعل من المدينة مقصدًا للحجاج المسيحيين الذين يحرصون على زيارة الكنيسة واقتناء التحف المصنوعة من خشب الزيتون، التي تحمل رمزية خاصة وتُعد من أبرز منتجات المدينة.
وبالتزامن مع اقتراب عيد الميلاد تتحول بيت لحم إلى لوحة فنية مضيئة، حيث تتعالى أصوات التراتيل في الكنائس، وتنتشر الروائح الزكية من المأكولات التقليدية التي تُعد خصيصًا لهذه المناسبة. الأطفال يشاركون في عروض كشفية، والفرق الموسيقية تعزف ألحانًا ميلادية، فيما تتزين الشوارع بالزينة الحمراء والذهبية. هذه الأجواء الاحتفالية تمنح السكان والزوار شعورًا بالدفء والطمأنينة، وتعيد إلى المدينة مكانتها كعاصمة الميلاد.
ويختتم العرجا حديثه بالقول “نعمل كما تعمل المدن المقدسة في العالم، فالسياحة الدينية لدينا مستمرة طوال العام. الكنائس تنظم رحلات لأبنائها لزيارة الأماكن المقدسة التي وُلد فيها المسيح وعاش وانتقل، هذه الرحلات لا تتوقف لأنها مرتبطة بالروح والإيمان.” ومع ذلك، يبقى موسم الميلاد هو الأهم والأكثر جذبًا، حيث تتلاقى فيه الروحانية مع الفرح الشعبي، ويجتمع فيه الحجاج والسكان المحليون في مشهد يعكس صمود المدينة وإصرارها على الحياة رغم الظروف الصعبة.
