عروبة الإخباري –
على الرغم من اختلال موازين القوى بين الفلسطينيين وإسرائيل، وما يفرضه ذلك من غياب الأدوات والظروف التي يمتلكها الاحتلال، فإن فكرة “المعاملة بالمثل” لا يمكن أن تُطبَّق بمعناها الحرفي. لكنها تظل ممكنة إذا نظرنا إليها من زاوية التفكير الاستراتيجي، ودراسة الواقع المتاح، وتوظيف الإبداع الممكن.
الفلسطينيون قادرون على ابتكار أدواتهم الخاصة لتحدّي الاحتلال وردعه وتقويض سيطرته. فالمعاملة بالمثل لا تعني التقليد، بل تحويل كل أداة تُستخدم ضدهم إلى فرصة لرد عملي ومبدع. بهذا الشكل يصبح الصمود فعلاً متجدّداً، لا مجرد رد فعل.
فلو افترضنا أنّ هناك عدة مسارات للتعزيز الصمود، نجد أنّ الاقتصاد المحلي يشكّل أحد أهم تلك المسارات، لأنه يحقّق الاكتفاء الذاتي، ويواجه الخنق الاقتصادي الذي يمارسه الاحتلال على الفلسطينيين بشتّى الوسائل، وذلك لسهولة وإمكانية تطبيقه لدى جميع فئات المجتمع الفلسطيني، فعندما يزرع الفلسطيني أرضه أو ينتج ما يحتاجه بأيديه، فإنه يقلّل من اعتماده على الاحتلال، ويعزّز قدرته على الاستمرار، وعلى تدبير أموره الحياتية. والمرأة الفلسطينية كانت دائماً نموذجاً للإنتاج، بمهاراتها في الحياكة والطبخ والزراعة والفلاحة وغيرها، ما يجعلها ركيزة أساسية في بناء الاكتفاء الذاتي.
التكافل الاجتماعي بدوره، يوفّر شبكة أمان داخلية، حيث يتعاون الناس بمواجهة الأزمات، ويتبادلون الموارد المتاحة، ما يقّوي الروابط بينهم ويعزّز الثبات. بهذا الشكل، تصبح الأمور تكاملية وتبادلية، فيسد النقص وتتقلص الفجوات، وتُسد الثغرات عند العائلات، فيتحول المجتمع إلى سند حقيقي لأفراده.
أمّا سلاح الصمود الذاتي، فهو التعليم، إذ يمنح الفلسطينيين المعرفة والوعي الذي يحمي هويتهم، ويضمن قدرتهم على مواجهة التحدّيات بإبداع واستقلالية.
ومن أدوات المقاومة اليومية، والتي تمنع الاحتلال من طمس الذاكرة الجمعية، ويشكّل الحفاظ عليها شكلاً أصيلاً من الصمود الذاتي، هو التمسك بالهوية الوطنية. فاللغة العربية، والأغاني الوطنية، والقصص والأمثال الشعبية، وحتى الأكلات التراثية، ليست مجرد مظاهر ثقافية، بل هي جذور راسخة تغرس الانتماء في الأجيال الجديدة، وتؤكد أنّ فلسطين حاضرة في الوعي والذاكرة مهما حاول الاحتلال محوها.
الصمود الذاتي هو فعل يومي ينبع من الداخل الفلسطيني، وعلى الفلسطينيين تعزيزه، وألّا ينتظرون أن يأتي الدعم من الخارج، بل يبنون قوتهم من الداخل، ضمن الإمكانات المتاحة. الصمود هنا: أن نزرع، نتعلم، نتعاون، ونحافظ على هويتنا. بهذه الخطوات البسيطة، يتحول الصمود إلى قوة حقيقية، ويصبح الرد الفلسطيني إبداعاً متجدداً، يواجه الاحتلال، ويحد من قدرته على السيطرة. وبهذا يصبح الصمود الذاتي ليس فقط وسيلة للبقاء، بل مشروعًا جماعيًا لبناء المستقبل الفلسطيني
