عروبة الإخباري –
ليس الاستقلال في لبنان حدثاً عادياً، ولا تاريخاً يمرّ في سطر. إنّه قصة وطنٍ نهض من بين ظلال الانتداب، ومدّ يده إلى الضوء ليقول للعالم: إن الحرية قدرٌ، وليست منّة.
في صباحات تشرين، كانت الجبال تتهيّأ لولادة فجرٍ جديد، وكانت البيوت القديمة تسمع همس الأرض قبل أن يصلها الخبر: أن حقّها في الحياة الحرة بات قريباً، وأن شمس البلاد تستعد لتشرق من جديد.
كيف صاغ لبنان استقلاله؟
بدأت رحلة الاستقلال الفعلية مع تصاعد المطالب الوطنية بإنهاء الانتداب الفرنسي الذي فرض على لبنان منذ عام 1920، وفي خريف 1943، أقرّ المجلس النيابي تعديلات دستورية تسحب السلطات الاستثنائية التي منحها الانتداب لنفسه، هذا القرار أغضب المفوّض السامي، فقام باعتقال أبرز رجال الدولة، بينهم رئيس الجمهورية بشارة الخوري ورئيس الحكومة رياض الصلح، ونقلهم إلى قلعة راشيا.
لكنّ اعتقالهم لم يكسر الإرادة اللبنانية، بل فجّر حركة تضامن شعبي وسياسي واسعة، ما دفع فرنسا في 22 تشرين الثاني 1943 إلى الإفراج عنهم والاعتراف باستقلال لبنان. ومن ذلك اليوم، صار هذا التاريخ عيداً وطنياً تتجدّد فيه روح الحرية.
شعرية الوطن وارتقاء الروح
وعندما أشرقت شمس الثاني والعشرين، بدا لبنان كأنّه يستعيد أنفاسه الأولى. الجبال ارتفعت أكثر، والسهول اكتست هدوءاً مطمئناً، والناس خرجوا إلى الطرقات يحتضنون الفرح الوليد. كان يوماً تُكسر فيه القيود، وتُفتح فيه أبواب الأمل على مصاريعها.
فلبنان، منذ تلك اللحظة، لم يعد مساحة جغرافية وحسب؛ صار إعلاناً دائماً بأن الشعوب الصغيرة قد تتفوّق على العواصف الكبيرة، وأن الإرادة عندما تتوحّد، تُغيّر مسار التاريخ.
استقلال يبقى ويتجدّد
ولأنّ الحرية ليست حدثاً يُحفظ في الذاكرة فحسب، بقي الاستقلال وعداً متكرراً بأن لبنان قادر دائماً على الصمود والنهوض. فهذه الأرض، مهما تعبت، تعرف كيف تولد من جديد… وتعرف أن الحرية ليست ذكرى تُحتفل، بل هوية تُحمَل، ومسؤولية تُصان.
وهكذا يستمر لبنان، شامخاً مثل أرزه، واقفاً مهما تثقلت عليه السنين، لأنّه وُلد حراً… ولا يعرف أن يعيش إلا كذلك.
