عروبة الإخباري –
هناك أسماءٌ تولد لتكون عابرة، وأسماءٌ تولد لتترك أثراً لا يُمحى. من بين هذه الأسماء يسطع اسم المخرجة اللبنانية لمى داوود، التي لم تكتفِ بأن تسلك درب الإبداع كهاوية، بل حملت طموحها كراية، وواجهت به التحديات كما لو كانت تُصارع المستحيل. طموحها لم يعرف حدوداً، ولم يرضَ بالمتاح، بل ظل يتوق دوماً إلى الأبعد، إلى الأعلى، إلى ما يجعل الفن رسالةً لا تُنسى.
منذ خطواتها الأولى، أدركت داوود أن الكاميرا ليست مجرد أداة تقنية، بل نافذة على أرواح البشر، وجسر يصل ما بين الحلم والواقع، ولذلك، جعلت من السينما مساحةً للحوار مع الذات والعالم، وكتبت بلغة الضوء والظل ما لا تستطيع الحروف أن تحمله من شجن وجمال.
هذا الطموح الجامح، وهذا الشغف الذي لا يلين، هو ما قادها لتنتزع المركز الأول في المهرجان العالمي أولادنا بالقاهرة، متفوقةً على منافسة ضمت ٥٤ بلداً من مختلف القارات، لتثبت أن الإبداع الحقيقي لا يُقاس بالجغرافيا، بل بالجرأة والإصرار والإيمان العميق بأن الفن قادر على صنع الفارق.
ففي عالمٍ يزدحم بالأصوات والصور، يظل الإبداع الحقيقي قادراً على اختراق الضجيج، والوصول إلى القلب مباشرة، وهذا ما فعلته المخرجة اللبنانية لمى داوود حين رفعت اسم وطنها عالياً في المهرجان العالمي أولادنا بالقاهرة، حيث انتزع فيلمها المركز الأول وسط منافسة محتدمة مع أكثر من ٥٤ دولة جاءت من قارات الأرض الخمس، لتثبت أن الفن حين يُروى بصدق، يتخطى كل الحواجز.
فوز لمى داوود، كان إعلاناً جديداً أن السينما ليست ترفاً فنياً، بل هي مرآة للروح ونافذة على إنسانيتنا المشتركة. لقد اختارت أن تكتب قصتها بالضوء والظل، لا بالحبر والكلمات، لتؤكد أن لغة الصورة هي الأكثر نفاذاً، وأن القصص التي تولد من القلب تستطيع أن تعانق قلوباً في أقاصي الأرض.
أن يخرج هذا الإنجاز من لبنان، بلد الأرز الذي رغم كل أزماته لا يتوقف عن إنجاب المواهب، فهو رسالة أمل بأن الثقافة والفن هما الوجه الأجمل والأبقى. وأن تصل هذه الرسالة إلى القاهرة، مدينة التاريخ والسينما والمهرجانات، فهي مصافحة بين بلدين شقيقين جمعهما الفن منذ عقود طويلة. لقد جاء هذا الفوز كجسر جديد بين بيروت والقاهرة، يضيف لبنة أخرى إلى صرح التبادل الثقافي العربي.
إنجاز لمى داوود ليس انتصاراً شخصياً فحسب، بل هو تتويج لروح الشباب اللبناني والعربي، الذين رغم التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، يصرون على أن يقدموا للعالم فناً راقياً، مشبعاً بالصدق والإبداع. وهذا الفوز يحمل أيضاً مسؤولية، فهو دعوة للاستمرار في صناعة الأفلام التي تحكي قصصنا، وتعرض إنسانيتنا المشتركة، وتنقل رسائلنا بأبهى صورة.
لقد أثبتت داوود أن الفيلم يمكن أن يكون قصيدة تُقرأ بالعين قبل الأذن، وأنه حين يُنسج بخيوط من الإحساس الصادق، يصبح أبلغ من الخطب، وأبقى من التصريحات، فالسينما، في يدها، لم تعد مجرد صناعة، بل تحولت إلى فن مقاومة للنسيان، وإلى مساحة لإحياء الأمل في زمن يهدده التشتت والتعب.
من بيروت إلى القاهرة، ومن شاشة المهرجان إلى ذاكرة الجمهور، حملت لمى داوود رسالة ملهمة: أن العدسة حين تتسع للحلم، يمكنها أن تعانق العالم. واليوم، ونحن نحتفي بها، نحتفي بالمرأة العربية التي كسرت القيود، ورفعت اسم وطنها عالياً، وذكّرتنا جميعاً أن **السينما الصادقة قادرة على أن تكون سفيرةً لشعوبٍ كاملة.
