نحمد الله على أن خلقنا أحرارا تأبى نفوسنا تكميم الأفواه. ولأن الحر لا يباع ولا يشترى ولا تعرف كلماته الأسر ولا الحبس، تجد الأقلام الواعية والمنابر الرصينة طريقها لطرح كل شيء أمام الجميع وتحت الشمس، بما يرضي الله، وكما نقول دائما بما يرضي الله والوطن والملك.
الظلم شيء جلل، يخاف منه ومن شظاياه من يخشى الله. لم يسكت عنه الهواشم أبدا، فكانوا قبل النبوة وبعدها، أهل عزة وفزعة، أصحاب مروءة ونخوة، أولي عزم يصونون الأمانة والكرامة، ينتصرون دائما للمظلوم وإن كان غريبا، لا بل وإن كان عدوا، لا بل وأزيد فأقول -ولدي ما أعرفه يقينا من الشواهد- بل وينصفون حتى من ظلمهم.
لطالما فاخرنا أشقاءنا العرب -في دنيا الاغتراب والغربة- عندما يسائلونا ويتساءلون، عن سبب حب وولاء الأردنيين للهواشم، بأن منازلهم مضارب ومساكن وقصورا، ومنتديات ودواوين، كانت وستبقى بيت الأردنيين كافة، لا بل وملاذ من يلوذ بالأردن الحبيب، من ويلات هذا الزمن وملمات دنيا لا أمان لها ولا أسف عليها.
في العهد العبدلي الميمون، تم إرساء قواعد عمل مؤسسي لرفع الظلم وإغاثة الملهوف وإجابة المضطر، إداريا كان ديوان المظالم سنة 2008 كجهة حكومية مستقلة أول من ترأسها اللواء المتقاعد عبد الإله باشا الكردي من نشامى المخابرات العامة. صحيح أن الديوان الملكي الهاشمي العامر كان دائما وأبدا بفضل من الله وأمر من لدن سيدنا عبد الله الثاني دائما مفتوحا للأردنيين، إلا أن مسؤولية البحث وليس مجرد الانتظار، عن أي قضية لإنصاف صاحبها، أو حق لرده لأصحابه، هي مسؤولية فردية مجتمعية في المقام الأول ومن ثم مسؤولية إدارية يتولاها من يحظى بشرف ويتحمل أمانة تحمل مسؤولية الحكم والإدارة بحكم المهام التي يقسم عليها وزيرا أو مديرا أو من أي موقع في الخدمة العامة أو الخاصة، المدنية أو العسكرية في مملكتنا الحبيبة.
لكن للأسف، ومنذ ابتلينا كبشر وليس فقط كمنطقة بخلط الحابل بالنابل في وسائل التواصل الاجتماعي وتسلل أجهزة معادية واندساس شياطيها فيما وراء الحدود وإلى تفاصيل التفاصيل الخاصة بالحياة المعيشية، ثمة الكثير مما هو مفبرك، أو مفتعل، أو مضخّم، أو خارج عن السياق كليا أو مغايرا لحقيقة ما تبث شكواه التي تصل في بعض الحسابات الحقيقية أو الزائفة إلى حد التنمر والتحريض.
بطبيعة ما شهدته كثير من المجتمعات من تحولات اقتصادية اجتماعية ثقافية، كثير مما تعرضه المحتويات المثيرة للعواطف تستحق التعاطف كله. لكن بعضها أبعد ما يكون عن ذلك وقد يبلغ حد التناقض الذي يستدعي عوضا عن التعاطف المحاسبة والملاحقة ربما الجنائية والقضائية.
الخطر هو تجاهل أو إسكات تلك الأصوات. الواجب كما يقتضي روحيا ووطنيا وإنسانيا هو الإسراع في مقابلة كل فرد منهم ولو كان الأمر مرهقا مستنزفا للإمكانات والطاقات والوقت. الاستماع الجيد مهم للغاية، حتى وإن كان في جانب محصور فيما نصفه ب «الفضفضة». علّمنا الكبار أن نكون مستمعين جيدين إلى حد الإنصات، ومن بعد، حسن الاشتباك بودّ وبعقلانية وباحتواء الآخر، حتى وإن كان مدّعيا أو لا قدّر الله فظا. الكبير يسع الصغير. تلك من ثمار المحبة والحكمة، وتلك أيضا من علامات القوة والقدرة الراشدة المؤثرة المستدامة.
ترك تلك الأصوات التي تشكو أي ظلم أو ما بدا كذلك أو حتى ما زعم «الصارخ» بذلك، فإن مجرد الإحساس بالمظلومية وبثها بين الناس وظاهرة «اللايكات» والتعبيرات البكائية بالغرافيكس، أو اللطمية في التعليقات المرافقة لبوست أو الفيديو، مجرد ضغطة واحدة بهذا الاتجاه تخدم من لا يريد بالأردن والأردنيين خيرا. وليست صدفة، ذلك الازدحام بأخبار يتعمد مختاروها ومروّجوها أن تكون سلبية في المطلق كل يوم وكل ساعة، يختارون قطاعا للاستهداف، أو شريحة للتشتيت والتشكيك والتحريض.
نحن في زمن نتعامل فيه مع أبالسة لا يخرسها إلا المؤمن بربه الواثق بوطنه، العارف للناس والأمور والأشياء في جوهرها الحقيقي وحجمها الطبيعي. كثير من مدّعي المظلومية ظالمين أنفسهم.. تلك حالات وإن كانت قليلة، أو حتى نادرة من المفيد كشفها بشفافية، حتى لا يصدّق الناس كل من نادى «أغيثوني»! فيضيعُ حقّ من يستحق العون..
التعامل العادل مع «المظلومية»* بشار جرار
6
