يعرف العاملون في الخارج خاصة في الغرب والخليج أن من نقاط جذب المهارات واستقطاب الكفاءات من ذوي المزايا النوعية الأردنية، ما يعرف بالحزمة المرافقة للراتب الأساسي والإجمالي (الشامل للعلاوات).
من الأمور اللافتة في سوق العمل الخاص بالدول الغربية ومنها المملكة المتحدة والولايات المتحدة، عدم وجود علاوة دراسات عليا أو معيشة لعدد الأطفال الذين يعيلهم الأب أو الأم عملا بالمساواة بين الجنسين. كل ما يعني من يقوم باصطياد الرؤوس -الاستقطاب لغايات التوظيف والتعبئة- هو الأداء أولا، من حيث تلبية ما هو واضح بجلاء ودقة في الوصف الوظيفي. وما هو منصوص عليه كشرط تعاقدي فيما تعرف بمهمة المؤسسة أو رسالتها. وما هو المتوقع من الذهنية والطباع -السجيّة والسويّة- من سلوك الموظف في التعامل اليومي، داخل تلك المؤسسة -خاصة كانت أم حكومية أم عمومية- داخلها وخارجها. فالموظف أو العامل عندما يكون عضوا في فريق وفي أسرة عمل، يعتبر شخصية عامة لا خاصة مرتبطة بالهوية المهنية للمؤسسة «كورْبِرِتْ» والتي تَعدِل علامتها التجارية، وما يعرف بالصبغة أو الميزة الفارقة، «برانْد» وهو قطعا أهم من ركوب «ترِنْد» محكوم في طبيعة تكوينه بالزوال، في دائرة زمنية لا تتجاوز الأسبوعين في أحسن أحوالها، وغالبا لا تدوم أكثر من سحابة يومين أو ثلاثة على أكثر تقدير، في نهار شباطيّ، «ما عليه رْباط»!
ليس سرا أن النجوم الكبار رواتبهم فلكية، في مهن تتطلب الشجاعة إلى حد المجازفة، والحكم الدائم على الأمور على كل شاردة وواردة بشكل حكيم. فكل، كلمة -منطوقة وغير منطوقة – من أولئك النجوم محسوبة عليهم. لذلك يحرص الطرفان الموظِّف والموظََّف على تضمين ضمانات وتأمينات ليس في عقد العمل فقط، بل وفي الحُزمة المرافقة لذلك الراتب الفلكي الذي يصل إلى عشرات الملايين سنويا، لنجوم الأخبار والبرامج بما فيها الساخرة الترفيهية في أمريكا.
من تلك التأمينات ما هو شامل لكل ما يتصل بالأمور الصحية العقلية والنفسية والجسدية، كالتأمين على الحبال الصوتية لمذيع أو وجهه وذراعيه إن كان برنامجه أو نشرته يتم تقديمها جلوسا، أما إن كان بكامل هيئته فثمة تأمين شامل حتى على كاحل القدم، ونوعية الأحذية المناسبة، والكراسي الملائمة من حيث ثباتها على الأرض، مع إتاحة الفرصة للف والدوران ثلاثمئة وستين درجة، خدمة لأوامر مخرج في تحريك الكاميرات المرفوعة ب «كرين»! الانزلاق أو السقوط لا قدّر الله على الهواء مباشرة قد يكلف المنتج مبالغ طائلة للتراضي حتى دون وقوع إصابات ولن تنفع تغريدة أو منشور أو «ريل» من بضع ثوان في التخفيف من حدة الحرج حتى وإن صار «ترندا» أضحك الناس أو حاز تعاطفهم.
أما التأمين الأهم والأكثر خطورة فهو التأمين القانوني.. نحن في زمان لا نحسد عليه، يترصد فيه الكل أخطاء الكل. لا يغفر البعض كبوة جواد ولا غلطة شاطر. ثمة غايات في نفس يعقوب، ومآرب أخرى بعضها محض شخصي، ومن النوع الرخيص، كالتصيّد بدافع «ضيق العين» أو «ضيق ذات اليد» لمن لا تطول أيديهم النجاح فيتطاولون على الناجحين ويتربصون بهم للنيل منهم. تلك معضلة إدارية، قد يكون من المفيد التنبه إليها لوقف الهدر في «أغلى ما نملك»، خاصة في صفوف المبدعين المتميزين الأردنيين، داخل الوطن وخارجه.
ذلك التأمين الذي أعنيه هو وجود مستشار قانوني -يُستشار ويُؤخذ بمشورته وتكون توصيته لازمة أخلاقيا وقانونيا ومهنيا وإدرايا لأعلى جهة كالوزير أو المدير أو رئيس مجلس إدارة. المستشار القانوني بحكم الأمانة التي يحملها في عنقه من المأمول أن يكون مبادرا ممتلئا ومشبّعا ليس فقط بثقافة وطنه ومؤسسته الإعلامية مثلا بصرف النظر من القطاع الخاص أو العام، بل بتفاصيل التفاصيل لكل من يستهدف صورة الأردن المفدى، أو مواقفه كما تحددها المنارة البوصلة المرساة، ممثلة بشعار يلتزم به الجميع ألا وهو «الله الوطن الملك»..
ثمة حاجة إلى خبير مستشار «يمون» ويشمل برعايته كالأب الوقور والراعي الصالح مبدعينا ووجوهنا التي تتصدر المشهد العام، بما يلزم من الحماية والرعاية السابقة والمرافقة واللاحقة لهؤلاء النجوم، فهم عدّتنا وعتادنا وذخيرتنا فيما يعرف بالقوة الناعمة للدولة.. الإعلامي والفنان والرياضي وليس فقط السياسي -تنفيذيا وتشريعيا- بحاجة إلى ذلك التأمين للمبدعين وعليهم، حتى تبقى صورتهم عصية عن أي استهداف.
ليس بالضرورة أن تكون المسألة في الإطار الرسمي المباشر. فمن التفاعل الإيجابي الحميد الذي حققته تلك العلاقة بين المبدع والجمهور، العديد من الحالات التي بادر فيه مختصّ، لِنقُل إنه طبيب قلب، بالاتصال -الخاص لا العلني- مع مراسل أو مذيع أو مطرب أو رياضي، للتنبيه بأن ثمة عوارض استطاع الانتباه إليها بحكم خبرته ورؤيته للمشهد عن بعد، تفيد بضرورة إجراء ذلك المبدع أو تلك الموهبة إلى فحص طبي أو فحوصات مخبرية وسريرية، للتأكد أن أمور من يعرفون لدى صنّاع نجوم الشاشتين الفضية والذهبية ب «تالِنْت» الموهبة، والتي هي جزء أساسي من «الآسِتْ» أي موجودات هذه المؤسسة، أو تلك ملأت الدنيا سمعا وبصرا.. فللجمهور أيضا عين تسمع كل ما يخص أسماء المملكة وأخبارها كما يرصدها القريب والبعيد. وكل كلمة وصورة حتى وإن كانت خارج البث والتغطية تبقى جزءًا من كلّ ألا وهو الخاص بالوصف الوظيفي للمبدع، ولهوية مؤسسته المهنية والوطنية، وفوق هذا وذاك، رسالة الأردن المفدى وقيادته الهاشمية الغالية.
تأمين المبدعين ضرورة ملحّة* بشار جرار
5
المقالة السابقة
