هناك رحيل يمرّ كخبرٍ عابر، وهناك رحيل يهزّ الذاكرة ويستحضر كل التفاصيل التي لم ننتبه لها حين كان أصحابها بيننا.
رحيل الإعلامية والممثلة يمنى شري، ينتمي إلى الفئة الثانية: خسارة لا تُقاس بالكلمات، وجرح يترك أثره في قلب كل من عرفها عن قرب أو أحبّ حضورها من بعيد.
صوتٌ كان يملأ البيوت دفئًا
في زمنٍ كانت فيه الشاشة نافذةً على العالم، كانت يمنى، تطلّ على المشاهدين بوجهها المضيء وصوتها الممزوج بالدفء والرقي. لم تكن مجرد مقدّمة برامج أو إعلامية، بل كانت صورة حيّة للإعلام الذي يلتقي الناس بصدق، ويترك أثرًا أبعد من حدود الاستوديو.
كانت قريبة من القلب، تنقل الخبر بإحساس إنساني، وتحوّل اللقاءات إلى مساحة من الودّ، وكأنها تتحدّث مع كل فرد في بيته.
ممثلة بحضور مختلف
لم تكتفِ يمنى شري بالإعلام، بل دخلت إلى عالم الدراما، لتُثبت أن الصدق لا يعرف مكانًا واحدًا. في أدوارها، لم تكن تمثّل بقدر ما كانت تعيش الحالة. ولهذا أحبّها الجمهور: لأنها بقيت هي نفسها، بعيدة عن التكلّف، تحمل الروح ذاتها التي عرفوها في الإعلام.
رحيل بصمت… وبصمة لا تُمحى
غادرت يمنى شري بهدوء، وكأنها لم تشأ أن تُثقل على محبيها وجمهورها بوقع الرحيل. لكن أثرها لم يرحل، وبقيت في وجدان من تابعها، وفي ذاكرة كل من لمس عفويتها وإنسانيتها، هي من تلك الوجوه التي لا يطويها الغياب، لأن حضورها يتجدد كلما استعاد الناس كلماتها وصوتها وصورتها على الشاشة.
إنسانة قبل أن تكون إعلامية
من عرف يمنى شري شخصيًا يدرك أنها كانت تحمل قلبًا كبيرًا. لم تكن تبحث عن أضواء الشهرة، بل عن مساحة صدق. كانت صديقة لزملائها، أختًا للجميع، وامرأة تركت خلفها محبة صافية. ولعل هذا ما يجعل الحزن عليها مضاعفًا: فهي لم تكن فقط إعلامية أو ممثلة، بل إنسانة بكل ما تعنيه الكلمة.
سلام لروحك يا يمنى
اليوم، إذ نودّعك، لا نودّع وجهًا ظهر على الشاشة، بل نودّع جزءًا من زمن جميل.
سلام لروحك الطاهرة… وراحة أبدية لقلب عرف كيف يحبّ الناس ويترك فيهم أثرًا لا يُنسى.
قد ترحل الأجساد، لكن العطر يبقى، وهكذا ستبقى يمنى شري: وردة انسلخت عن هذه الأرض، لكن عبيرها باقٍ في الذاكرة، حيّ لا يزول.
