سمعنا في مقتبل العمر، أنه ليس لائقا أن يركب شخص «الموجة». كانت تلك سمة الانتهازيين الوصوليين الذين كانوا يعرفون أيضا ب «الانبطاحيين الزئبقيّين» بحسب تعبير «غوار الطوشة»، تلك الشخصية المحببة من «الشوام» وسائر «بلاد العرب أوطاني».
لو كان راكبو الأمواج متزلجين لما قذفت بهم بعيدا عن شاطئ الأمان، فشتان بين من يتقن التزلج على الرمال والثلج والماء وبين من يغرق في شبر ماء! أبت الانتهازية إلا أن تقتل صاحبها، حتى وإن صار «أراجوزا» أو بهلوانا!
البوْن شاسع بين الركاب والحاويات والأمتعة، وبين الربّان القبطان الماهر الذي لا يحسب فقط حساب الأمواج صعودا ونزولا، بل وميل الركاب وما بحوزتهم من حطام الدنيا وبضائع تجارها، ميلهم كلّ الميل، يمينا ويسارا، أو «شمالا» كما بالعامية المصرية المحببة إلى قلوبنا «من المحيط إلى الخليج» كناية عن كل ما هو غير صحيح وغير صائب وغير أصيل.
ومن تعس تجارب الأيام التي يداولها رب الأرباب سبحانه بين الناس، أن يصير بعض ركّاب الأمواج، ركّاب «ترِنْدات»! وعوضا عن أن تأخذ الشاشات الرصينة، تأخذ بالمنصات الفوضوية إلى فضائها المنضبط بقوانين الدول وأخلاقيات المجتمعات والأسر المحترمة، رأى أو ارتأى البعض استسهال ركوب القصص الرائجة إخباريا، وإن كانت على بعد سبعة آلاف ميل بحري، كجريمة اغتيال المؤثر المسيحي المحافظ الجمهوري الأمريكي تشارلي كيرك، رحمه الله.
لم يتعظ البعض بما أحدثته تعليقات وقعت في مطبات قانونية لدى الحكومات الغربية وليس فقط برمجيات شركة «مِتا» وغيرها من شركات التواصل الاجتماعي وعمالقة الشركات التكنولوجية، لم يتعظوا رغم التداعيات التي طالت في أمريكا طلبة جامعيين أجانب، بل زادوا استهتارا وكأن أحدهم في سوق عكاظ أو في ساحة من ساحات الوغى التي حمي فيها الوطيس، فخرج شاهرا سيفه بعد أن امتطى صهوة جواده.
الكارثة أن الجواد ليس جواده وما هو بمالك ما يظنه سيفه، فلا امتطى جوادا ولا أمسك برسن. إن هي إلا خوارزميات تنفخ في جِراب من تشاء وتنّفس فقاعة محتواه رويدا رويدا، أو تعاجله وخزا بإبرة الواقع الحقيقي، لا الافتراضي!
الإساءة لثقافة أو بلد المنشأ هي أخطر الكلف الأولية للتعليقات الفردية المشينة -في التشفي بموت، أو إصابة، أو كارثة بشرية أو طبيعية، وفي أي مكان في «قريتنا الصغيرة». تسيء قبل كل شيء إلينا حضاريا وسياسيا. بعض الإساءات ذات الإسقاطات السياسية أو الدينية تحدث خسائر جمة لدى «الآخر» في «الانطباع والصورة والسمعة». خسائر باهظة لا سبيل إلى استردادها، منها ما يتعلق بالإقامة وتأشيرات الدخول، ومنها بدأ -نعم مجرد بداية- بفصل من الجامعة، أو إنهاء خدمات مدنية وحتى عسكرية، بسجلّ يشكل وصمة ستلاحق المسيء حتى بعد تغيّر الإدارة الراهنة التي ترى في الراحل تشارلي كيرك ما هو أكبر من صانع نجاح، حسم الانتخابات الأمريكية -الرئاسية ومجلسي الكونغرس وكثير من الانتخابات المحلية- بكسب أصوات الشباب والطلبة، بمعنى كسب شرائح لا يستهان بها من الناخبين المستقلين والمتأرجحين فضلا عن الديموقراطيين واليساريين.
لم يعد التثقيف الإعلامي أو محو الأمية الإعلامية (الاتصالية)، لم يعد ترفا، صارت القضية أكبر من مجرد شطب التعليقات المسيئة وحظر حساباتها والتي -للأسف- مازالت معضلة لدى بعض الجهات الخاصة والحكومية. قد يكون من المفيد في مرحلة أولية، الاشتباك الإيجابي -بإشراف متخصصين قانونيين ومبرمجين- مع كل من امتطى صهوة «ترند» مسيء أو قابل للاستغلال والإساءة، بالرد أولا بأول، قبل أن يتحول إلى «ترندات» يستفحل خطرها، فيظن سفيه أو صفيق أن ركوبه موجة يُحدث عاصفة، وما هي إلا زوبعة في رأس فارغة وعقول خاوية، تتلاعب بها روبوتات عن بعد!
