يعيش الفرد المعنف في خوف وقلق وتوتر دائم، ويفقد الثقة بذاته، فيفشل في دراسته وتحصيله العلمي.
وقد يصاب الضحية بعقد نفسية يعانيها لسنوات طوال مثل اضطرابات في الشخصية، و الارهاب الاجتماعي، بل إنه قد يتجه إلى إيذاء نفسه، فيحاول الانتحار أو تعاطي المخدرات، أو ينتهج سلوكا عدوانيا إجرامياً.
يعد الإبداع الأدبي تجسيدا حيا لمشاعر الإنسان وأفكاره وأحلامه وآلامه، كما يعد كاشفا ذا بصيرة عن نوازع النفس البشرية ومشكلاتها النفسية. ولعل تعبير الإبداع الأدبي عن قضايا الإنسان وأزماته والتنفيس عنها بما يطرحه الكاتب من رؤى وأفكار تساهم في حل الكثير من المشكلات الاجتماعية المعاصرة، ومنها أزمة العنف الأسري، خاصة وأنها أزمة إنسانية عامة تعانيها المجتمعات كلها في الشرق والغرب، وتعانيها كل الطبقات الاجتماعية الفقيرة والغنية.
والإبداع الأدبي يفتح الباب للتفاهم الاجتماعي والحوار من أجل التغيير للمفاهيم المغلوطة والمستقرة في العقل الجمعي، الإنسان حول تفوق القوي بسلطته أو ماله أو مكانته الأسرية، وتصحيح هذه المفاهيم لتصبح القوة في ميزان العدل والمال في ميزان النفع، والعاطفة في ميزان الرحمة والرأفة واللين في ميزان القسوة.
الأدب قادر على أن يقدم وجهات نظر عبر فنونه من شعر ورواية ومسرحية وقصة لإبراز مخاطر العنف الأسري وتوجيه سهام النقد الاجتماعي اللاذع أو الرمزي ضد العنف وممارسته، حافز طاقات الأسرة للتغيير من أجل التمتع بالسلام الأسري والاجتماعي.
ويمكن للأعمال الأدبية الهادفة أن تتبنى تقديم نماذج لشخصيات واقعية تكرس لقيم التسامح والحوار والتعايش السلمي والاحترام بين أفراد الأسرة صغيرها وكبيرها، وتكرس لأهمية التعاون وصولا إلى تحقيق الكيان الأسري المتماسك عن طريق تقديم الشخصيات والمواقف الواقعية.
فالأدب قد يؤدي دورا فاعلا في مواجهة العنف اللفظي مثلا بإلقاء الضوء علي جذور هذه الظاهرة وتقديم تحليل مقنع لأسبابها، وابتكار سبل فنية في الكتابة للتحذير من مخاطرها والتنفير منها. كما يمكن عبر الشخصيات الروائية والأدبية ضبط مشاعر الغضب والتنفيس عن مشاعر الإحباط المؤديين للعنف.
تناولت الدراما العربية موضوع العنف الأسري بأساليب متعددة، تعكس تطور الوعي المجتمعي وتنوع الرؤى الفنية. في كثير من الأعمال، يُعرض العنف كأزمة إنسانية تمس النساء والأطفال على نحو خاص، حيث يُجسد المعتدي غالبًا في صورة الأب أو الزوج المسيطر، وتُظهر الضحية في حالة من الألم والصمت. ومع تطور الطرح الدرامي، بدأت بعض المسلسلات والأفلام تتجاوز مجرد عرض المشكلة، لتسلط الضوء على الحلول الواقعية مثل اللجوء إلى القانون، الدعم النفسي، والتمكين الاقتصادي. كما ظهرت شخصيات نسائية قوية تتحدى العنف، وتكسر دائرة الخوف، مما يعكس تحولًا في الخطاب الدرامي نحو التوعية والتمكين بدلا من التكرار المأساوي. هذا التناول لا يقتصر على الجانب الاجتماعي فحسب، بل يمتد إلى تحليل نفسي وسلوكي يعمّق فهم المشاهد لأسباب العنف وآثاره، ويحفّزه على رفضه ومواجهته.
لم تكن الأعمال الدرامية مجرد وسيلة للترفيه، بل تحولت في كثير من الأحيان إلى منصة قوية لتسليط الضوء على القضايا الاجتماعية الخفية والمعقدة، وعلى رأسها قضية العنف الأسري. لقد تجرأت هذه الأعمال على كسر الصمت المحيط بـ “المحظورات” العائلية، وعكست بصدق الألم الخفي وراء جدران المنازل التي تبدو للعالم الخارجي مثالية.
الدراما أساسها ورق
نعم أي عمل متحرك على الشاشات كان أساسه نصاً فالنصوص الأدبية هي العامل الرئيسي حيث، يمكن للأدب أن يكون سلاحًا فعّالاً في مكافحة العنف الأسري، ليس من خلال التلقين المباشر، بل عبر الغوص في أعماق التجربة الإنسانية. فهو يكسر جدار الصمت المحيط بهذه القضية الخاصة والعامة في آنٍ واحد، من خلال سرد قصص الضحايا بطريقة تجعل القارئ يعيش معاناتهم، ويشعر بآلامهم وخوفهم وإحباطهم، مما يبني جسرًا من التعاطف الحقيقي. كما يتيح الأدب، عبر تحليل شخصيات الجناة وأسباب عنفهم، فهم جذور المشكلة المعقدة من دواخل اجتماعية ونفسية. لا يقتصر الدور على الكشف فحسب، بل يقدم أيضًا نماذج للمقاومة والصمود، ويصور علاقات أسرية قائمة على الحوار والاحترام، مما يمنح الأمل، ويدفع نحو التغيير. بهذه الطريقة، يصبح الأدب مرآة للمجتمع تفضح الواقع المظلم، ومنبرًا يعلو صوته لدعم الضحايا وتحفيز المجتمع على رفض العنف بكل أشكاله.
ويسهم الأدب بطرق غير مباشرة في نشر الوعي الأسري وأهمية التوافق والتفاهم بين الوالدين، وكذلك استخدام أساليب التنشئة الاجتماعية السليمة ومضامينها المناسبة في نمو الطفل نمواً سليماً من الجوانب النفسية والاجتماعية والعاطفية وضرورة أن تتناسب هذه الأساليب مع خصائص مرحلة الطفولة المتتابعة.
إن الأدب عندما يتحول إلى عمل درامي مرئي ومسموع، فإنه قد يسهم بشكل فاعل في التوعية الاجتماعية بقضية العنف الأسري، خاصة إذا نجح الأديب في تقديم نصه مستفيدا من الرؤية التربوية السليمة وخبرات علم نفس الاجتماعي، في علاج ظاهرة العنف الأسري، ولا يكون النص الأدبي قد قام بدروه في نشر الوعي الثقافي في تجنب الطرق الخاطئة في تربية الأطفال على العنف أو التدليل الزائد أو التفريط في رعايتهم نفسيا.
ويمكن لواضعي البرامج التعليمية توظيف هذا اللون من النصوص الأدبية التي تعالج هذه الظاهرة، لتكريس حقوق الأسرة التي هي أساس سلامة المجتمع من الانحراف والتدمير.
وهذا الدور للأدب في علاج ظاهرة العنف الأسري من المنظور الثقافي والتنويري يجب أن تتوازى مع الجهود التعليمية والإعلامية والقانونية لوأد العنف الأسري وحماية مجتمعاتنا الإنسانية من الهلاك.
