عروبة الإخباري –
قرأت بتمعن مقال الرفيق عمران الخطيب حول موقف الإدارة الأمريكية من منظمة التحرير الفلسطينية، ولا شك أن المقال يعكس حالة الغضب المشروع إزاء القرار الأمريكي بمنع وفد المنظمة من الحصول على تأشيرات دخول للمشاركة في اجتماعات الأمم المتحدة. وهو قرار لا ينفصل عن السياق التاريخي للانحياز الأمريكي لإسرائيل، ولا عن السياسات المستمرة التي تضع العراقيل أمام أي محاولة فلسطينية لإثبات حضورها على الساحة الدولية.
أولًا: نقاط القوة في المقال
1. التذكير بالسياق التاريخي: أشار الكاتب إلى أن الولايات المتحدة لم تغيّر موقفها الجوهري منذ سنوات طويلة، بدءًا من إغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وصولًا إلى إبقائها على قائمة “الإرهاب”، وهو طرح يضع القرار الأخير في إطار استمرارية لا في إطار مفاجأة.
2. الاستناد إلى الشرعية الدولية: أجاد الخطيب حين استحضر القرارات الأممية، مثل القرار 2334 وقرار التقسيم 181، بالإضافة إلى التزامات منظمة التحرير بالاتفاقيات الدولية، ما يعزز حجته القانونية والأخلاقية أمام الرأي العام.
3. إبراز حجم الاعتراف الدولي بدولة فلسطين: الإشارة إلى أن 149 دولة اعترفت بدولة فلسطين قبل الدورة الأممية المقبلة يضع الإدارة الأمريكية في موقع المعزول دوليًا، ويُظهر أن العالم يتجه تدريجيًا نحو تثبيت الحق الفلسطيني رغم الضغوط.
4. التحذير من بدائل مشبوهة: المقال لفت الانتباه إلى محاولات تفكيك أو إضعاف منظمة التحرير عبر ورش ومؤتمرات تُطرح تحت مسميات الإصلاح، لكنها في الواقع تحمل أجندات خارجية أو تمويلات مشبوهة، وهو تحذير ضروري أمام شعبنا.
ثانيًا: مواطن المبالغة أو القصور
1. التركيز على المؤامرة الخارجية أكثر من الأزمة الداخلية: صحيح أن الضغوط الخارجية حقيقية، لكن القارئ يتوقع أيضًا وقفة نقدية أمام دور منظمة التحرير نفسها في تراجع مكانتها؛ من تهميش مؤسساتها إلى ضعف المشاركة الشعبية، وهو جانب لم يتناوله المقال بما يكفي.
2. الجامعة العربية والغياب المستمر: عبّر الكاتب عن استغرابه من صمت الجامعة العربية، لكن هذا لم يكن جديدًا؛ فالجامعة أثبتت منذ سنوات عجزها أو تبعيتها، ما يتطلب إعادة التفكير فلسطينيًا في أدوات الدعم الإقليمي بدل الاكتفاء باللوم.
3. الموقف الأمريكي ليس استثناء ترامب: المقال حصر الموقف في عهد ترامب، بينما التجربة الفلسطينية مع الإدارات الديمقراطية والجمهورية على حد سواء تُظهر أن الانحياز لإسرائيل مسألة بنيوية في السياسة الأمريكية، مع اختلاف في الأسلوب لا في الجوهر.
ثالثًا: قراءة تحليلية أوسع
إن الأزمة ليست فقط في قرار تأشيرات أو في مكتب مغلق بواشنطن، بل في معركة الشرعية الدولية التي يخوضها الفلسطينيون منذ عقود. الولايات المتحدة لا تريد الاعتراف بفلسطين كدولة، لأنها ترى أن ذلك يُقوّض “احتكار” إسرائيل للحقيقة السياسية في المنطقة.
لكن في المقابل، فإن منظمة التحرير تحتاج اليوم إلى تجديد نفسها من الداخل، عبر إعادة بناء مؤسساتها، وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية، وتعزيز تمثيل الشباب والمرأة، لتصبح قادرة على مواجهة هذه الهجمات بثقة أكبر. إن ضعف المنظمة الداخلي يمنح خصومها الذريعة لإنتاج بدائل أو التشكيك بتمثيلها، وهو ما يجب أن يُعالج بجرأة لا بإنكار.
أما على الصعيد الدولي، فإن خطوة نقل اجتماعات الأمم المتحدة إلى جنيف إذا استمرت الولايات المتحدة في منع الوفد الفلسطيني قد تكون ورقة ضغط جادة، لكنها تحتاج إلى تحالف واسع من الدول، لا مجرد مطالبة فلسطينية منفردة.
رابعًا: نقول
مقال الرفيق عمران الخطيب مهم لأنه يُعيد التذكير بخطورة الموقف الأمريكي وتواطئه مع الاحتلال، وينبّه إلى الدور المريب لبعض القوى التي تسعى لتفكيك منظمة التحرير. لكنه يبقى بحاجة إلى جرعة نقد ذاتي وإلى ربط أوضح بين الصراع الخارجي وأوجه القصور الداخلي، حتى لا يبدو أن الأزمة كلها مفروضة علينا من الخارج.
مقال الخطيب دفاع مشروع عن منظمة التحرير في وجه الانحياز الأمريكي، لكنه سيكون أكثر قوة لو توازن بين فضح الضغوط الدولية وتشخيص أزمة التمثيل الداخلي. وحده هذا التوازن يعيد للمنظمة شرعيتها أمام شعبها أولًا، ثم أمام العالم.
م. غسان جابر – مهندس و سياسي فلسطيني – قيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية – نائب رئيس لجنة تجار باب الزاوية و البلدة القديمة في الخليل
