عروبة الإخباري –
كما علينا الاهتمام بإختيار ملابسنا، علينا الإنتقاء الإحترافي في اختيار كلامنا ، فلغة التخاطب أناقة بإمتياز و لو كانت ملابسنا سوداء للمناسبة التي تقتضيها ، فحبرنا الاسود على صفحة بيضاء ، خاصة أنه آن الأوان لمصالحة إيمانية صادقة مع مجتمعنا بكل أطيافه لإرتقاء الحبر الاسود إلى عطر الياسمين الابيض و راية السلام لا راية الاستسلام أو سردية لون الكفن ، فقد عشنا شهور الاحداث الجِسام و التغييرات التي فرضت احداثيات خطيرة و نكسات في موازين القوى دون الهزيمة النكراء ، والواجب يفرض علينا التكيّف والملاءمة مما أصابنا بمعنويات الاستمرار التاريخي ، آخذين في الاعتبار دراسة كل موروثاتنا الخطيرة التي زادتنا بلاءً و تقهقراً لبداية قد لا تصيبنا لأننا جيل كبر فيه الخرق فأربك الراتق ، و إنما في صناعة بيضاء لأجيال قادمة تتصفح مرئيات عبر التواصل الصاعد على متن الذكاء الاصطناعي إلى رحلات مشبوهة بغية قراءة بعيدة عن محاكمة افتراضية بلهاء لأحداث مضى عليها الزمن بكلكله عند القرون البعيدة التي كنا فيها و العياذ بالله تعالى نُنصّب أنفسنا حاكمون نملك نتائج الموازين و مفاتيح الجنة و النار كميداليات التصنيف مصادرين بذلك أن الله تبارك و تعالى هو الحكم العدل و أن المخاصمة عنده بأمره. و الحقوق و الواجبات فكل قول لديه رقيب عتيد ، و الغُنم و الغُرم بعدله و مغفرته فله الحكم و إليه الأمر ،
و كفانا مصادرة دور الإله الواحد و تغييب مقاليد سلطانه ، و كفى جلد أنفسنا مع كل نفس و حتى بعد كل صلاة و كأن التنفير و التكفير ليكون الواحد صخّابا لَعّانا بدون ذمة أو ثوابت . و محاكمة شخصيات رحلت منذ خمسة عشر قرنا و في كل يوم نستحضر لها المشانق و الإعدام و تعكير صفو رقادها و نحتكم لآرائنا المختلفة على رفات و تراب تنتظر فقط أمر البعث و النشور من الاجداث سراعاً .
رحم الله سبحانه وتعالى والدي العلاّمة د. مصطفى الرافعي و انا اعيش على مقربة من ذكرى رحيله البالغة ربع قرن ، فقد استشعر منذ أكثر من خمسين سنة الفتنة الكأداء التي هي نصال من موت و ليست سيفاً من خشب ، فأصدر كتابه الذي نفدت نسخه لثلاث طبعات ” في التقريب و التوفيق بين السنّة والشيعة”، حيث استشرف كوالح الغيوم السوداء المفسدة قبل أن تمطرنا بسجّيل من مواقف و اشكاليات ليبقى السؤال ، ماذا جنينا من استحضار الماضي الموروث المنقول بروايات قد يصح بعضها و قد يشوب الكثير منها الخلل و الافتراءات ؟
كيف لنا الخوض بعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و تكفير كل الصحابة الا من رحم الله ” بفتوى سياسية ” ؟؟
عدل عمر رضي الله عنه الذي حكم فعدَل فاطمأن، فنام بين شواهد القبور .
كيف التجرؤ على سيد الابطال و فارس الفرسان الامام علي بن ابي طالب رضي الله عنه و اتهامه بالجبن أنه حارب أمير المؤمنين لانه يود الزواج من ابنته الجليلة ام كلثوم عنوة و قهرا، و كل هذه الخفّة و الزيف من سرديات باطلة . و كيف لنا القول ان سيدتنا فاطمة الزهراء رضي الله عنها بكسرِ ضلعها و كسرِ باب بيتها .
هل من اللائق نعت باب مدينة العلم و فاتح باب خيبر و الذي صارع و صرع جبابرة الكفر من رجال ندوة قريش .
كفانا استحضار يوم التحكيم المأزوم ، و مصاحف معاوية على اشفار السيوف، و قرآن عثمان مغطّى بدمه .
كفانا تزييفا لذكرى عاشوراء التي خرج سيّدها سيّد شباب اهل الجنة لا لأجل كرسي، بل لتقويم اعوجاج في دين الله و قضى إلى ربّه راضيا مرضيا ، فلا ابن ملجم و لا ابن ذو الجوشن و لا ابو لؤلؤة منّا ، ليسوا منّا !! .
كسرنا هُبل و أنهينا كذب مسيلِمة و سَجاح و الأسود ، نبحث بوتيرة عجفاء لدور لذئب يوسف المبرّأ ،لنقحم أنيابه أجسادنا و عواءً، و لن تكون هناك رحلة ثانية لسفينة نوح فقد كان الحجز على متنها لرحلة واحدة لأن الحسم في القرآن كان في الكمال و التمام و الرضى في آية نهائية التنزيل .
و في هذا نلجأ لما فعله هولاكو و رجاله ترمي الفتنة عبر سهامها لزرع التقاتل بين (سُنّة) قُتلوا بهجوم على الدولة الخوارزمية و ابادوها ، و بين (شيعة ) قُتلوا بمجزرة في أحياء الكرخ اهم مناطق بغداد عاصمة الرشيد و المجد التليد. و الفتنة أشدّ من القتل ، و الفتاوى جاهزة و غُبّ الطلب لكل من ينفخ في أوار الموت و حمم القتل المجاني ، و الغريب أن كل الأطراف تدّعي زورا و بهتانا أنها فعلت ذلك باسم الله، و الله برئ مما يأفكون .
جلَدنا أنفسنا كثيرا و لم و لن يتغير من الامر شيئا ، الاموات في قبورهم و برازخهم ينتظرون محطة الحساب، و نحن على ما قالت الملائكة في يوم ” اتجعل فيها من يُفسد فيها و يَسفك الدماء”؟
في حياتنا اليوم ” اكلنا الضرب ” و تداعياته ، فالرحمة للآتي من أجيال لتكن بيضاء رغم سواد ما فعلنا .
بيان للمصارحة و المصالحة فخصمنا عنيد و غاشم و لا يتقي في الله موجعا لنا.
و من على منصة ” الشراع ” يتم التبليغ لمن يهمه الامر. أما آن الأوان لقلب الصفحات السوداء من عقيم عقلنا و تهالكنا من أجل منصب و سيادة و ليس لوجه الله تعالى.
اللهمّ قد بلّغت … اللهمّ فاشهد ….