كتب سلطان الحطاب
حملت الأخبار لي خبراً مفجعاً، وفاة صديقي الدكتور وليد عساف، المناضل رئيس هيئة الجدار والاستيطان السابق عن عمر 65 سنة.
عرفت الدكتور عساف، وهو على رأس عمله يتصدى للمستوطنين ويقود الحملات والمتطوعين لمواجهتهم.
كنت في رام الله عام 2017، أحضر فعالية عن القدس دعيت اليها وكرمت على كتابي عن القدس “مدينة السماء على الأرض”، وفي اليوم التالي كنت في الفندق، وقد جاءني اتصال يقول، هل ستظل في الفندق فمجموعة من الصحفيين والضيوف سيخرجون مع الوزير عساف للاحتجاج على مجيء المستوطنين الى مدخل رام الله الشمالي إن رغبت صاحبنا.
خرجت دون أي استعداد خاص، وسرت حتى وصلت التجمع الواقف في محطة للوقود، قريب المكان المزمع التظاهر أمامه، كانت السيدة الأردنية، رانيا حدادين، تتقدم المجموعة، وقد وضعت على وجهها كمامة، ومشينا خلف الوزير عساف، وصعدنا عمارة بجانب محطة الوقود، الى طابق ثاني له شرفات من الزجاج يمكن مشاهدة الاشتباك من خلالها بين من يلقون القنابل الدخانية الخانقة من جنود الاحتلال على التجمع ومن الشباب الذين يمطرونهم بالحجارة ويردون لهم المقذوفات وهي مشتعلة بالدخان.
كانت البناية قد غطيت بالدخان، ولم ينفع معنا اغلاق النوافذ، فقد كان الغاز السام القاتل يتسرب بقوة ليحرق انوفنا ويوقف تفاعل التنفس، كنا في حالة شبه اختناق أسير بصعوبة، فنظر الي الوزير عساف، وقال هل تعبت؟ هل معك محارم مبللة بمادة خاصة توزعها المتطوعات، قلت لا، فنادى على احداهن ان تاتي بسرعة لتحمل لي ذلك، وفجأة مد يده الى جيبه وأخرج رأساً من البصل وقال، خذ هذا اقطعه وحك به انفك حتى تاتي الشابة، ففعلت ولما رآى انني متعب وغير متعود، قال أنظر الى الشباب كيف يدخلون بين القنابل المقذوفة ويردونها على الجنود الذين يتراجعون، وبعد دقائق قليلة، قال لي يجب أن ترجع وتعود الى الوراء حتى تنتهي هذه المواجعة، وبالفعل خرجت وعدت حيث تقف السيارة، وحاولت أن استنشق هواء آخر غير الملوث، وبعد نصف ساعة ذهب الجنود وعاد الشباب السيارات وعدنا الى الفندق وكنت ما زلت ألهث وأحاول استنشاق هواء آخر ودموعي تنسكب بغزارة، وقد عشت التجربة التي يعيشها الفلسطينون يومياً وخاصة طلاب المدارس والأطفال، وهي العمليات التي يستبدلها الاحتلال بعد ذلك بالرصاص المطاطي والرصاص الحي، ولم يعد استعمال القنابل المسيلة للدموع تستعمل الاّ في التجمعات المفاجئة.
صاحبت الدكتور عساف الذي يشرح لي مهماته الصعبة واستمرار خروجه اليومي مع متطوعين أجانب للاحتجاج على بناء الجدار، وبعض هؤلاء الأجانب يصابون ويعتدى عليهم وينقلون الى سيارات الأسعاف، وقد ساهم شخصياً في نقل بعضهم من قرية جوار رام الله، جرى الاحتجاج عندها، وفي مرة أخرى أصيب شخصياً بشظية عند مدخل قلنديا مع رام الله.
الوزير وليد عساف، ذو حس وطني دافق، مناضل صلب ينتمي لحركة فتح، التي انخرط فيها حتى وهو طالب هندسة كهربائية تخرج من جامعة لاهور في الباكستان، وقد شهدت الجامعة نشاطه الطلابي منذ أن كان قائداً نقابياً، فقد أنتمى للعمل النضالي وهو في المدرسة في قرية كفر لاقف بمحافظة قلقيلية، ثم ترشح للمجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006، وفاز بمقعد عن محافظة قلقيلية عن حركة فتح، وشارك في عدة لجان، أهمها لجنة الأراضي ومواجهة الاستيطان عام 2006، وعضواً في اللجنة الاقتصادية والزراعية في المجلس التشريعي الفلسطيني، ثم عين وزيراً للزراعة في حكومة سلام فياض، ورامي الحمد الأولى والثانية، حتى عام 2014، وقد كان وزيراً ميدانياً ناجحاً، ومعرفة للأرض والواقع، وعلاقاته الواسعة والبسيطة مع الناس أهلته ليكون رئيساً لهيئة مقاومة الجدار والاستيطان خلفاً للشهيد، زياد أبو عين المناضل الذي استشهد اثناء مقاومته، وكان شهيداً من أجل هذه القضية الهامة، وقد استمر عساف في موقعه هذا حتى آذار عام 2021.
رحل عساف وهو يؤدي واجبه وينتظم في صفوف رفاقه، رحل بعد مرض مفاجئ، وقد شيعته جماهير شعبه الى مثواه الأخير تتذاكر تاريخه النضالي وشجاعته واقدامه، وامتداح القادة الوطنين لعمله.
رحم الله المهندس وليد عساف، الذي أعطى بلا حدود ورحل رافعاص راية المقاومة والصمود والعزاء لأهله واسرته ورفاقه