عروبة الإخباري – كتب طلال السكر –
في زمنٍ تتعالى فيه الأصوات المطالبة بتجديد الحياة السياسية، وتمكين الشباب، واستعادة ثقة الشارع الأردني بمؤسسات الدولة، برزت كتلة عزم النيابية كنموذج نيابي جديد فرض نفسه على المشهد لا من خلال الضجيج، ولا عبر حملات إعلامية عابرة، بل من خلال أداء ميداني رصين، وحضور فاعل، ورؤية واضحة للعمل البرلماني الجاد.
لم يكن هذا النموذج مثار جدل على منصات التواصل الاجتماعي، ولم يسعَ إلى استعراضات سياسية كما تفعل عديد الأحزاب التقليدية؛ بل اختار طريقاً مختلفاً قوامه الالتزام، والانضباط، والانخراط الحقيقي في هموم المواطنين ومتابعة قضاياهم في الميدان.
لقد أثبت أن العمل النيابي لا يُقاس بحدة الخطاب، ولا بعدد المنشورات، بل بمدى القدرة على صناعة الأثر، والتأثير الفعلي في منظومة القرار، وتقديم نموذج يحاكي طموحات الأردنيين، وعلى رأسهم فئة الشباب التي ما زالت تنتظر من يمثّلها بصدق وجرأة ومسؤولية.
ففي تقرير رصين أصدره مركز الحياة – راصد حول أداء مجلس النواب العشرين خلال دورته العادية الأولى، تصدّرت كتلة “عزم” المشهد البرلماني بجدارة، عبر تنفيذ 21 نشاطاً ميدانياً متنوعاً، شمل زيارات ولقاءات ميدانية عكست انخراطاً عميقاً مع نبض الشارع الأردني، وتفاعلاً يومياً مع قضاياه وهمومه.
هذا الأداء المتقدم لا يعكس فقط اجتهاداً نيابياً فردياً، بل يُترجم نهجاً حزبياً مؤسسياً تقوده قيادة سياسية شابة، واعية، طموحة، ومؤمنة بأن التغيير الحقيقي يبدأ من القاعدة، ويتحقق من خلال الالتزام، لا الشعارات. قيادة “عزم” لا تكتفي برفع راية الإصلاح، بل تبني له قواعد راسخة داخل البرلمان وخارجه.
ولم يكن الحضور الميداني إلا جانباً من مشهد أشمل، حيث سجّلت الكتلة أداءً رقابياً بارزاً باستخدام أداة المذكرة النيابية، بمساهمة بلغت 19٪ من إجمالي المذكرات الفردية المقدمة، متقدمةً إلى صدارة هذا المؤشر إلى جانب “إرادة والوطني الإسلامي”، في دلالة واضحة على وعي تشريعي ورقابي ناضج يعكس إرادة سياسية لا تتهرب من المواجهة، ولا تساوم على المصلحة العامة.
على صعيد الانضباط، فقد جاءت نسبة غياب أعضاء الكتلة 16٪ فقط، وهي نسبة منخفضة قياساً بالمتوسط العام، وأفضل بكثير من بعض الكتل التي سجلت معدلات غياب مرتفعة. وهذا يعكس مدى الالتزام التنظيمي والانضباط الحزبي الذي تتمتع به الكتلة، تحت إشراف قيادة تعرف أن الاحترام يبدأ من الالتزام، وأن العمل العام مسؤولية لا ترف سياسي.
لكن الأهم أن “عزم” نجحت في أن تتحول إلى مساحة تمثيلية حقيقية لآمال قطاعات واسعة من الشباب الأردني، الذين يرون فيها حزباً يتحدث بلغتهم، ويحمل همومهم، ويقدم نموذجاً سياسياً نظيفاً قائماً على المبادرة والإنجاز، لا على التبرير أو التنظير. إنها الكتلة التي أعادت الأمل في أن العمل السياسي قد يُدار بعقل الدولة، وبضمير المواطن في آنٍ واحد.
إن ما تحقق لا يُعدّ نجاحاً عابراً، بل هو مؤشر على تحول نوعي في المشهد السياسي يقوده “حزب عزم” بثقة، واقتدار، ووعي تاريخي بدور الأحزاب الوطنية في بناء الدولة الحديثة. إشادة “راصد” ليست مجرد تقييم فني، بل إقرار موضوعي بولادة كتلة سياسية جديدة تمتلك المقومات الكاملة لتكون رقماً صعباً في مستقبل الحياة البرلمانية الأردنية.
وفي ظل الحراك المتجدد على مستوى قانون الانتخاب، وتمكين الأحزاب، وتعزيز المشاركة السياسية، تبرز “عزم” كأحد أهم الروافد الصاعدة لمستقبل العمل السياسي الأردني، لا بوصفها فقط كتلة برلمانية فاعلة، بل كتيار وطني يتقدم بخطى ثابتة نحو بناء نموذج سياسي عصري ومسؤول.
ختاماً، فإن ما تقدمه “عزم” اليوم، قيادةً وكتلة، يمثل منعطفاً في المشهد النيابي، ورسالة أمل لكل شاب أردني ما زال يؤمن بأن السياسة يمكن أن تكون شريفة، وأن الحزب يمكن أن يكون وسيلة بناء، لا غايةً للسلطة أو الاصطفاف. إنها بداية حقيقية لمسار مختلف، عنوانه العمل، ومضمونه الوطنية، ووجهته الإصلاح.