نتائج الاستطلاع الأخير الصادر عن مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية كانت مختلفة من حيث النتيجة غير المعتادة، إذ منحت حكومة الدكتور جعفر حسان على أعلى نسبة ثقة شعبية منذ عام 2011.
هذه النتيجة ليست مجاملة، بل انعكاس مباشر لتحول حقيقي في مجموعة من العوامل التي لمسها المواطنون بشكل مباشر، وكان لها تأثير ملموس على ثقتهم بالحكومة وقدرتها على إدارة المرحلة.
أول هذه العوامل هو الطابع الميداني الواضح لأداء الحكومة، والذي تجلى في التواصل المباشر مع المواطنين والوجود الفعلي للمسؤولين بين الناس، فهذا النوع من الإدارة ساهم في تقليص الفجوة التقليدية بين المواطن وصانع القرار، حيث شعر المواطن بأن صوته مسموع وأن هناك جهداً ملموساً للتعامل مع همومه وتخفيف معاناته.
أما العامل الثاني فيتمثل في إدارة الملف الاقتصادي والمالي، رغم التحديات الإقليمية والدولية، فقد حافظت الحكومة على استقرار المؤشرات المالية والنقدية، واستمرت السياسة النقدية بثبات، الأمر الذي عزز الثقة بالدينار الأردني، ورفع من ثقة المستثمرين والمواطنين على حد سواء، فالسياسة النقدية المتماسكة التي يتبعها البنك المركزي الأردني لعبت دوراً رئيسياً في هذا الجانب، مما منح المواطنين شعوراً بالاستقرار المالي والأمان الاقتصادي.
ولا يمكن تجاهل دور السياسة المالية العامة وإدارة الدين في تعزيز الثقة بالحكومة، فقد التزمت حكومة حسان بجدول سداد الديون بشكل منتظم، ما أعطى إشارات جدية للأسواق والمجتمع الدولي، وخاصة في ظل الظروف المالية العامة، جنب الى جنب مع العلاقة مع صندوق النقد الدولي أيضاً كانت عاملاً داعماً، حيث نالت الحكومة إشادة بعد كل مراجعة دورية، ما يعكس احترام الأردن لالتزاماته الإصلاحية واستقراره المالي، سويا مع الحفاظ على التصنيف الائتماني وعدم انزلاق الدين العام إلى مراحل حرجة، كلها عناصر ساهمت في خلق انطباع داخلي وخارجي بأن هناك فريقاً يدير الملف المالي بعقلانية ومسؤولية.
لا يكفي أن تكون الحكومة “تدير الأزمة”، فالناس يريدون إنجازاً، وحكومة حسان أعطت إشارات واضحة أنها حكومة مشاريع، لا شعارات إذ ان البدء ببعض المشاريع التنموية والإعلان عن أخرى أعطى انطباعا بأن هذه المرة هناك نية حقيقية للخروج من حالة الجمود والاعتماد المزمن على المعونات والديون.
المواطن الأردني ليس سهلاً في حكمه، ولا يعطي ثقته لمن لا يستحقها، لكن استطلاع الرأي أظهر أن 71 % من الأردنيين يعتقدون أن رئيس الحكومة قادر على تحمّل مسؤولياته، وهذه ليست نسبة يمكن الاستخفاف بها.
الاقتصاد بحسب نتائج يكشف أن 52 % من المواطنين يرون أن الاقتصاد يسير في الاتجاه الإيجابي، مقارنة بـ 14 % فقط قبل عامين، وهذا الفرق لا يمكن تفسيره بالحظ أو التمني، بل بالعمل الفعلي الذي بدأ يعطي نتائج ملموسة، نعم، 46 % ما زالوا يرون أن أوضاعهم سيئة، لكن منحنى الثقة يتحرك في الاتجاه الصحيح.
في الخلاصة، ما تغير ليس المواطن، بل الحكومة، لكن هذه المؤشرات لا تعني بالضرورة انتهاء التحديات، لكنها تشير إلى أن الإدارة الحكومية الحالية استطاعت أن ترسي حالة من الثقة والتفاؤل النسبي، فالمواطن الأردني، بطبعه، لا يمنح ثقته بسهولة، لكن حين يرى التزاما فعليا وإنجازا ملموسا، فإنه لا يتردد في الاعتراف بذلك، وهذا ما يفسر النتائج الإيجابية التي أظهرها الاستطلاع.