عروبة الإخباري –
في خضم مشهد وزمن تتقاطع فيه الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وتزداد فيه الحاجة إلى نماذج تُلهم وتُحدث فرقًا، تبقى قصص النجاح النابعة من الإيمان العميق بقدرة الإنسان على التغيير بمثابة شرارات تُشعل الأمل في المجتمعات، خصوصًا حين تتولّد هذه المبادرات من عمق الواقع، لا من أطرافه، وتتحوّل إلى مشاريع حقيقية تُعيد تشكيل حياة الشباب، وتفتح أمام المرأة آفاقًا جديدة للإبداع والعمل والإنتاج.
تظهر شخصية عربية استثنائية، من سوية عليا العنبر، التي استطاعت أن توفّق بين الفكر الأكاديمي الرصين، والرؤية الريادية الملهمة، والحسّ المجتمعي العميق. لم تكن مجرّد مدربة أو موجّهة، بل فاعلة ميدانية آمنت بأن التغيير يبدأ من الداخل، وأن التمكين الحقيقي لا يُمنح بل يُنتزع بالمعرفة، وبالعمل، وبالاقتراب الصادق من حاجات الناس وتطلعاتهم. فكانت صوتًا وأداة، وأملًا لمن أراد أن يصنع مشروعه، ويصوغ مستقبله بيده.
تتواجد على صفحاتها بمواقع التواصل، ولا تتردد بتقديم النصيحة والمشورة لكل من طلبها، يمكن للقارئ متابعتها عبر الروابط التالية، انستغرام ، إكس ، و فيسبوك.
أساس أكاديمي لرؤية ناضجة
عليا التي كانت بدأت الرحلة من قناعة بأن الفكرة دون تأصيل علمي لا تصمد طويلًا، لذلك حرصت على بناء خلفية معرفية قوية تُسند مشروعها المجتمعي. حصلت على درجة الماجستير من جامعة القاهرة، حيث ناقشت موضوع الإدارة الإيجابية كأداة لتحقيق الميزة التنافسية للمشاريع الريادية. هذا التخصص لم يكن مجرد اختيار أكاديمي، بل انعكاس مباشر لفلسفتها في العمل: أن البيئة الإيجابية تُنتج فرقًا، وأن كل مشروع صغير يحمل بذور التميّز متى ما تمت رعايته بالفكر والتنظيم.
مبادرة “طور شغلك”: حيث يتحوّل التدريب إلى فرص
وكان لها أن أطلقت واحدة من أنجح المبادرات الشبابية تحت عنوان “طور شغلك”، لتكون مساحة فعلية لتمكين الشباب والشابات من مختلف محافظات الأردن. تجاوزت المبادرة الطابع النظري، لتصبح تجربة متكاملة تمكّن المشاركين من تطوير مشاريعهم الصغيرة والمنزلية، وربطهم بمنصات تسويق وفرص دعم حقيقية.
بفضل هذه المبادرة، تم تدريب أكثر من 4000 مستفيد، كثير منهم استطاع تأسيس أو تطوير مشروعه الخاص، مما انعكس على أسرهم ومجتمعاتهم الصغيرة بطرق ملموسة. ولأنها تؤمن أن التمكين لا يكون لحظة، بل عملية مستمرة، فقد حرصت على متابعة قصص النجاح، والبقاء على تواصل مع المتدربين حتى بعد انتهاء البرامج.
تمكين المرأة… من التقييد إلى الإنتاج
أبرز بصمة للعنبر، أنها أعادت تعريف مفهوم “المرأة المنتجة” في مناطق نائية تواجه فيها النساء عوائق اجتماعية واقتصادية كبيرة. صمّمت برامج تدريبية خاصة للفتيات والسيدات، ترتكز على تحويل المهارات المنزلية إلى فرص مدرّة للدخل، مثل الطهي، الحرف اليدوية، التصوير، والعمل الحر الرقمي.
وقد تمكنت العديد من السيدات من الانتقال من مرحلة الاعتماد إلى مرحلة الاستقلال، سواء عبر مشاريع فردية أو شراكات نسوية مجتمعية. هذا التحوّل لم يكن تقنيًا فقط، بل فكريًا أيضًا، إذ ساعد النساء على كسر الصور النمطية حول أدوارهن، واستعادة ثقتهن بأنفسهن.
منصات التأثير الإقليمي
إلى جانب العمل المحلي، فقد شاركت الأردنية العنبر، في مؤتمرات إقليمية وعربية، وكانت متحدثة بارزة في قضايا ريادة الأعمال والتنمية المستدامة. طرحت خلالها رؤيتها القائمة على أن ريادة الأعمال ليست رفاهية ولا ترفًا حضريًا، بل وسيلة بقاء ونمو للمجتمعات، خاصة في البلدان التي تعاني من بطالة عالية، وهجرة العقول، وتهميش الريف والمرأة.
دعت في مشاركاتها إلى بناء بيئة ريادية عادلة، تتبنى سياسات تشجع المشاريع الصغيرة، وتحميها من التلاشي، وتوفر لها الدعم الفني والتسويقي والمالي بشكل ممنهج.
أثر يتجاوز الأرقام
في النهاية، ما يميز تجربة المدربة المحترفة، عليا العنبر، أنها لا تُقاس بعدد الدورات أو الشهادات الممنوحة، بل بالعقول التي تغيرت، والأفكار التي نمت، والأحلام التي لم تعد مؤجلة، إنها قصة ريادة تحمل في طياتها المعنى الحقيقي للتمكين: أن تمنح الإنسان أدواته ليقف وحده، ويدير مشروعه، ويصنع أثره في من حوله.
