عروبة الإخباري –
بعد خمسين عامًا من حقبة كارثية بكل المقاييس، لا يمكن حتى تصنيفها ضمن أنماط الاستبداد المعروفة، لأنها ببساطة لا مثيل لها في التاريخ. إن وصفها بالفاشية أو النازية لا يكفي، بل يتضاءل أمام ما عاشه السوريون من سحق وترويع واستنزاف.
اليوم، يُطلب من الحكومة السورية الجديدة، وكأنها تملك عصا سحرية، أن تُصلح كل شيء بلمسة واحدة وبسرعة الصاروخ! وهذا في الحقيقة لا يعني سوى السفسطة والادعاء.
نحن نتحدث عن اقتصاد منهوب، متهدم، ممزق إلى أشلاء. شعب مسحول، خائف، مقموع بالحديد والنار لنصف قرن. مدن كاملة تحولت إلى ركام، تحيط بها الكوابيس، وتحتاج إلى ثروات تعادل مال قارون مضروبًا في آلاف، لتُبنى من جديد.
أما النسيج السوري، بتنوعه الذهبي، فيحمل في طياته التوجس والمخاوف والتربص، وهو وحده يحتاج إلى خرائط اجتماعية وثقافية دقيقة، تُخفف من توتره، وتعيد إليه شيئًا من التوازن.
يحيط بسوريا الملايين من المتربصين، موتورين بالحقد وخططهم الجهنمية لتفكيكها وإغراقها في الفوضى والحرب الأهلية والتقسيم. أضف إلى ذلك عشرات العوامل الأخرى: التشتت، التهديدات، وبؤر التآمر.
في ظل هذا الواقع المركّب، لا بد أن نقرأ المشهد بعين الرفق والتفهم. لا تتوقعوا – أيها المحللون المتربصون – أن التغيير السريع ممكن في واقع متشظٍ بهذه القسوة. الأمر يحتاج إلى عزيمة حديدية، ووقت كافٍ، وقرارات محسوبة بدقة.
أقرأ كثيرًا من التحليلات، ويصيبني العجب من الإملاءات المكرورة: ماذا يجب وماذا لا يجب، وكأن من يكتب يعيش في رفاهية غير مشروطة، بينما من في الداخل يواجه الجوع والخوف والانهيار.
الحكومة الجديدة، برئيسها وفريقها، تعمل بكدّ وحذر، وسط كل هذه التناقضات، وتحت قصف متواصل من الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.
فلا تكونوا عبئًا إضافيًا. خففوا من وقع أقلامكم قليلاً. فأنتم لا تقفون على خط النار حيث يُطلب من المرء أن ينقذ كل شيء… وبسرعة خارقة.
