عروبة الإخباري –
في لحظة يتقاطع فيها الإبداع الإنساني مع النور الروحي، وقفت الفنانة التشكيلية العالمية، باسكال حرب، إلى جانب قداسة البابا فرنسيس، بعد مسيرة فنية غنية أضاءت فيها العالم بريشة تحمل رسائل أمل، ومحبة، وسلام.
لم تكن الصورة التي جمعت باسكال بالبابا، في 22 فبراير 2020، مجرّد لقطة فوتوغرافية عابرة. لقد كانت لحظة تفيض بالمعاني، تحمل في طياتها اعترافًا عميقًا بدور الفن كجسرٍ بين الأرض والسماء، بين الإنسان وأخيه الإنسان، بين ما نراه بأعيننا وما نستشعره بأرواحنا.
لكن ما جعل هذه الصورة أكثر وقعًا في القلوب، أنها نُشرت بعد ساعات قليلة فقط من رحيل البابا فرنسيس عن هذا العالم. لم تكن مجرد مشاركة على وسائل التواصل، بل كانت تحية وداع هادئة، أرادت فيها باسكال أن تقول للعالم: “لقد تشرفت بلقاء هذا الرجل العظيم، وها أنا أودّعه بالصورة التي جمعتنا، في لحظة لم أعلم يومًا أنها ستكون خاتمة الذكريات.”
الفن الذي يتجاوز الجدران
منذ انطلاقتها، حملت باسكال حرب قضايا الإنسان في قلب لوحاتها، وعبّرت بريشتها عن مشاعر تتخطى اللغة والانتماء، فأعمالها لم تكن فقط زخارف جميلة، بل كانت صلوات ملونة، تبحث عن العدالة، وترسم وجوه المعذّبين والأمل في عيونهم، وتحتضن العالم بلمسة صادقة.
أن تلتقي بهذه الروح الاستثنائية مع قائدٍ روحي بحجم البابا فرنسيس، المعروف بتواضعه، وإنسانيته، وانفتاحه على الفن والحوار، هو أكثر من مجرّد تكريم؛ هو لقاء بين رؤيتين: واحدة ترسمها الألوان، والأخرى تمسح الألم بالكلمة والصلاة.
تحية لفنانة ورجل صلاة
وعندما يصبح للفن مسؤولية مضاعفة، ومسيرة باسكال خير دليل على ذلك. البابا فرنسيس، الذي لم يتوانَ يومًا عن دعم المبدعين الذين يسعون للسلام، أدرك في هذه الفنانة اللبنانية العالمية روحًا تسير في خطّ الرسالة التي يؤمن بها: أن الجمال الحقيقي يولد من الحب، والصدق، والتعاطف.
والصورة التي نشرتها باسكال بعد وفاته، هي أكثر من ذكرى؛ هي رسالة حب أخيرة، وصلاة من فنانة تؤمن أن الريشة يمكن أن تكون جناحًا يرافق الأرواح الطيبة إلى السماء.
باسكال… حين يتحوّل الفن إلى صلاة
عندما تسأل باسكال حرب عن الفن، تجيبك بعينين تلمعان بالشغف: “الفن بالنسبة لي ليس مهنة، بل رسالة، صمتٌ يصرخ في وجه الظلم، ولونٌ يعانق كل اختلاف”. ربما لهذا السبب كان اللقاء مع البابا طبيعيًا، بل حتميًا — لأن الأرواح التي تؤمن بالمحبة تجد طريقها لبعضها البعض مهما تباعدت المسافات.
ولعل هذه الصورة، التي التُقطت في الفاتيكان يوم 22 فبراير 2020، ثم نُشرت بعد وفاته بعدة ساعات، ستظل شاهدة على لحظة التقى فيها النور بالنور، والتواضع بالعظمة، والفرشاة بكلمة الله.