الصادرات الزراعية الأردنية في عام 2024 لم تكن مجرد تحسن طارئ أو قفزة استثنائية، بل نتيجة مباشرة لتحوّل إستراتيجي في رؤية الدولة للقطاع الزراعي كرافعة اقتصادية حقيقية، وليس كقطاع موسمي تقليدي.
وهذا التحول انعكس بوضوح على الأرقام، سواء من حيث مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي أو من حيث قفزة الصادرات، التي تجاوزت حاجز المليار ونصف المليار دينار لأول مرة، بنسبة نمو وصلت إلى 39 % مقارنة بعام 2023.
من أبرز المؤشرات الدالة على هذا التحول أن مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة ارتفعت من 4.9 % في عام 2023 إلى 5.1 % في
عام 2024، وهي نسبة أعلى من مساهمته بالأسعار الجارية التي بلغت 5 % عام 2024 مقابل 4.8 % عام 2023.
وهذا الفارق في النمو بين الأسعار الثابتة والجارية يعكس بوضوح أن السبب الرئيسي وراء التحسن هو زيادة كميات الإنتاج، وليس فقط ارتفاع الأسعار أو القيم الاسمية، بمعنى آخر، الزراعة الأردنية باتت تنتج أكثر وتصدر أكثر، ما يؤكد أن النمو حقيقي ومبني على أساس متين.
هذا الإنجاز لم يكن ليحدث لولا تكامل السياسات الحكومية مع التوجيهات الملكية الداعمة للقطاع، والتي ركزت على الزراعة المستدامة كخيار وطني لا بديل عنه، حيث تمثلت هذه السياسات في ضخ استثمارات مباشرة في القطاع، كإنشاء 20 مصنعاً للصناعات الغذائية لامتصاص الفائض وتحويله إلى منتجات قابلة للتسويق، ورفع المحفظة الإقراضية إلى 115 مليون دينار لمشاريع نوعية تشمل الزراعة المائية والتصنيع الغذائي، إلى جانب تعيين 600 مهندس زراعي وطبيب بيطري لتعزيز الكادر الفني العامل في الميدان.
وفي موازاة هذا، تمكّنت الدولة من إعادة فتح 16 سوقاً أوروبياً أمام المنتجات الزراعية الأردنية، وهو ما يوضح أن هناك تطوراً في سلسلة التوريد وجودة الإنتاج، كما أن 27 % من الإنتاج الزراعي بات موجهاً للتصدير، في حين أن 52 % من مدخلات الإنتاج الزراعي يتم توفيرها محلياً، ما يعزز من مرونة القطاع وقدرته على الصمود في وجه الأزمات الخارجية، مثل تقلبات أسعار الشحن أو نقص المواد المستوردة.
الزراعة اليوم في الأردن لم تعد مجرد نشاط تقليدي، بل أصبحت صناعة متكاملة تسهم في تحقيق الأمن الغذائي، وجلب العملة الصعبة، وتوفير آلاف فرص العمل، وتثبيت الناس في الريف والبادية، إذ إن نسبة الاكتفاء الذاتي من اللحوم الحمراء ارتفعت من 28 % إلى 45 % خلال أربع سنوات، وتم تصدير أكثر من 900 ألف رأس من الأغنام الحيّة والمذبوحة إلى دول الخليج، ما يدل على أن الأردن بدأ يتحول إلى مصدر موثوق للغذاء في المنطقة.
ما نشهده اليوم هو نتيجة إرادة سياسية واضحة، واستثمار ممنهج، وتخطيط بعيد المدى، فالزراعة الأردنية لم تعد في الهامش، بل أصبحت في صلب المشهد الاقتصادي. وإن استمرت هذه الوتيرة، فليس مستبعداً أن تصبح الصادرات الزراعية خلال سنوات قليلة أحد الأعمدة الأساسية للاقتصاد الوطني.