ما دام الفضاء العالمي يعج ويضج بأخبار التعرفات الجمركية التي يراها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب «يوم التحرير» بالنسبة لأمريكا والعالم، قد يكون من المناسب التوقف عند إشارات تعنينا جميعا.
بداية، الجمارك هي في نظر تيار قوي في الحزب الجمهوري ما هي إلا شكل من أشكال الضرائب، وبالتالي لا يجوز تركها في يد السلطة التنفيذية وحدها. الأصل كما يرى أكثر المحافظين الجمهوريين ماليا تشددا، عضو مجلس الشيوخ السناتور راند بول، أن يكون الأمر محصورا بمن يملك المال وهو الشعب، وبالتالي الكونغرس، بمجلسيه الشيوخ والنواب.
ومهما قام المتحمسون لرؤى ترمب الاقتصادية والتجارية والنقدية بتجميل وجه الجمارك وتلطيف علقم التعرفات، فإنه لا مناص من مواجهة الحقيقة المرة في نهاية المطاف، وهي أن من سيقوم بدفع تلك الجمارك إنما هو المواطن -المستهلك- الأمريكي، إما عن طريق ارتفاع الأسعار أو فرض الضرائب.
ترمب وفريقه التجاري والمالي عبر الوزيرين هوارد لتنك وسكوت بسنت والأهم ربما مستشاره للشؤون التجارية بيتر نافارو، انتبه مبكرا لهذا العامل وأعد له من خلال محاصرة التداعيات عبر، أولا ترشيد الإنفاق من جهة بواسطة «دووج» بقيادة آلون ماسك الذي تبادل مع نافارو انتقادات لاذعة علانية بخصوص حرب التعرفات، وثانيا توسعة الحسومات الضرائبية عبر الكونغرس، وقد تم بالفعل تثبيت ما أنجزه في ولايته السابقة تحديدا عام 2017.
وبالعقلية ذاتها، تعاملت الإدارة الراهنة بشكل بدا حتى الآن أكثر حزما من الولاية الأولى، مع شطحات وتغولات اليسار المنحل المختل، سيما بما يمس الهوية الأمريكية في صميم قيمها الروحية والأخلاقية والوطنية.
ليس صحيحا ما يشاع في ثقافتنا المشرقية مثلا أن «الحكي ما عليه جمرك»، فحتى في أعرق الديموقراطيات تم اتخاذ حزمة من الإجراءات والتشريعات الرادعة والعقابية بحق كل من تطاول على الثوابت والرموز.
نعم، كل بلاد العالم وجميع الأمم لديها ما تعتز به من ثوابت ورموز، والقول بذلك ليس منقصة يأخذها البعض من شلل «الإنجو» -منظمات قيل إنها أهلية غير ربحية- وكأنها تحدّ من ديمقراطية أو تقدمية المجتمع والحكومة والدولة!
أمريكا، ومن قبل بريطانيا وألمانيا وحتى الدول الاسكندنافية، صارت تعاقب على خطاب الكراهية والتحريض بصرف النظر عن أشكال التعبير الفكري والسياسي، بالعقوبات المالية الثقيلة وأحكام السجن الجازرة..
حتى موضوع رفع الأعلام وهذا موضوع أكرس له مقالا بعون الله الأسبوع المقبل احتفالا بيوم العلم السادس عشر من نيسان، صار في أمريكا موضع حساب لا مجرد عتاب، حيث عمد عدد من الولايات إلى استصدار تشريعات تحصر رفع العلم بالعلم الأمريكي فقط فوق المباني الرسمية والمرافق العامة. بعضها ذهب إلى أبعد من ذلك، فحظر رفع أعلام تتنافى مع الأرضية الروحية الكتابية الصلبة التي بنى عليها الآباء المؤسسون بلاد العم سام. لا أعلام ملونة، فقط أبيض وأزرق وأحمر، وفقط كما هو في أبعاد العلم الأمريكي الرسمية من حيث عدد وشكل النجوم الخمسين، وخطوطها البيضاء الحمر..
اللهم جماركَ وضرائبَ على من لا يؤمن قولا وعملا بأن الأردن أولا وآخرا.. القضية ليست قضية أعلام ولا إعلام، ولا قضية نجوم ولا خطوط وأبعاد، بل قضية وجود وحدود. تلك حدود الأردن فلا تقربوها..
ينشرح الصدر لرد قاماتنا الوطنية الكبيرة على صغار المسيئين، لكن الأمر بحاجة إلى متابعة لا تغيب قطعا عن أذهان المؤتمنين على الشأن العام والشؤون الوطنية. قد يتطلب الأمر ليس فقط تقديم بعض الناعقين إلى العدالة، بل ومستضيفيهم أيضا عبر منصات راجت في الآونة الأخيرة ك «البودكاست»، ومموليهم داخل البلاد وخارجها.
ذلك لأن من لا يعرف العيب لا يجوز المراهنة على أصله وفصله! «مش عيب عليهم»؟
الحكي عليه جمارك وضرائب!* بشار جرار
4