رحم الله «شُكوكو» ما زالت متابعة الشذر اليسير من أعماله تفرح القلب. ورحم الله العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ الذي شكا يوما بمرارة أن الجمهور احتج على شدوه زاعقا ناعقا بأن الجمهور يريد، ورددها ثلاثا، الجمهور «عايز» شكوكو!
للانحدار الذي بلغه الدرك الأسفل من بعض المسيئين لأغلى ما نملك، المطلوب بصريح العبارة رد الاعتبار للمنولوج السياسي والإعلامي، قبل المضي قدما في رفع سقوف الديالوج الاعلامي، أمام الشاشات وخلفها على المنصات، ومن وراء جُدُر في الصالونات، بعضها في سفارات قريبة، وآخرى بعيدة جغرافيا أو سياسيا أو قل أخلاقيا..
قد بلغ السيل الزبى وطفح الكيل.. وقد يكون من الحكمة قبل بلوغ الأمر إشهار سيف «اتّقِ الحليم إذا غضب» إبراء الذمة عبر أسلوب إعلامي من أساليب القوى الناعمة التي توظف كل شيء كما يفعل أعداؤنا وخصومنا وناكرو الجميل.. من المفيد بل والواجب أن نَصُبّ رسائلنا المُفحِمة كما الرصاص.. نصبّها صبّا فيمن صمّت الأكاذيب وأعمت الافتراءات والأموال السّحت، سمعهم وبصرهم وبصائرهم.
عندما تزيد الأمور على حد الاحتمال -ويعلم الله كم زادت السنون والأسفار من القدرة على التحمل والاحتمال- ألوذ بالمساحات الصوتية عبر إكس، تويتر سابقا. وأقر معترفا بأنني لتجارب مبكرة، أعمد إلى تفعيل خاصية المستمع «غير المُعلَن» على أن أتخذ اسما غير صحيح أو كنية أو تسمية رمزية كما يحلو للبعض عبر منصات التواصل الاجتماعي، اتقاء لشرور المتنمّرين. في تلك المساحات الوطنية أستمع إلى ما يريح الأعصاب ولا أقول «يفشّ القلب»، حيث تسمع وترى لا تلمح فقط قسمات وجوه وطنية ولحى غانمة، ونشامى – نشميين ونشميات- في الوطن والمهجر، ممن يردون على المسيئين على ظهور «البكبات» أو خلف تلك الخواصر الرخوة وخواطر الإمّعات من المضللين (كسرا وفتحا)!!
صحيح أن بعض الإساءات من الأجدى سفهها بلا «هشتاغات ولا ترندات»، لأنها صادرة عن سفهاء من الأُجراء، معظمهم مرتزقة وبعضهم عملاء -قولا واحدا- بالأدلة لا الشواهد أو القرائن، إلا أن المحتوى الوطني في كثير من المساحات جدير بتعميمه على منصات أوسع انتشارا وأبلغ أثرا، ولا يكفي الأمر مجرد عرض سريع لا يتجاوز بضع ثوان على فقرات وبرامج التواصل في بعض القنوات الأردنية، رسمية كانت أم أهلية. بعض القائمين على تلك المنصات الصوتية جديرون بالتمكين إعلاميا في القطاعين العام والخاص. ولربما من الحكمة البدء بالقنوات الخاصة، لضرب أكثر من عصفور بحجر. طبعا ليس مِنا من يؤذي عصفورا، بل يلقّم الغرابيب السود حجارة تخرسها بعد أن تفحمها فتزيدها سوادا على سواد.
أما نجومنا في الإعلام الوطني والشخصيات العامة المؤثرة حتى من خارج دائرتي الصحافة والسياسة، فأولئك النشامى ذخيرة ليس مكانها ولا موقعها تكريم سنوي، وإنما تقديم وإعادة تقديم، وإنتاج وإعادة إنتاج، إبداعاتهم دون غياب موحش، وبلا حضور لا يتبعه اشتياق.
ثمة حاجة إلى الكلام المباشر والمركّز -على شكل مونولوج- وقد وفرت التكنولوجيا الاتصالية والإعلامية ما يلزم لمن هو خارج الكادر الوظيفي ومواقع المسؤولية، عاملين ومتقاعدين من شتى الاختصاصات. والأمر ينطبق على ما هو قائم في الأوساط الإعلامية، من طرق تقليدية في إعداد وتقديم الأخبار والبرامج. فباسم «الرأي والرأي الآخر»، وهو شعار أردني نعتز به نحته الإعلامي الفذ جميل عازر، يطرح أكثر من ملف ويستضاف أكثر من ضيف، فيضيع وقت ثمين، ويتشتت انتباه أغلى ثمنا. وباسم حياد المقدم، يتم مصادرة حقه في قول ما من حقه قوله، ومن حق القناة عرضه، أقلّه بداية البرنامج الحواري أو/و نهايته.
هؤلاء نجوم. من الظلم للجمهور ولهم، أن يتم حشرهم وحصرهم في ساعة مثلا هي مدة البرنامج أو النشرة، الأصل الاستفادة منهم وتوظيف طاقاتهم وإبداعاتهم حتى في أوقاتهم الخاصة خارج ساعات العمل. الإعلام رسالة وخدمة قبل أن تكون مهنة أو وظيفة أو هواية! هذا أوان رفع الصوت -صوت الضمير والعقل- رفعه عاليا على الضوضاء والخواء والغثاء بين ظهرانينا ومن حولنا.
الأردن العظيم عصيّ قويّ مهيب، مُهاب الصورة والصوت والسوط..
مطلوب «مُنُلُجِسْت»* بشار جرار
2