عروبة الإخباري – الإعلامية كلاديس متى –
في ظل عاصفة سياسية واقتصادية تهزّ لبنان، حلّت نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، في بيروت حاملةً ما يشبه الإنذار الهادئ. لا تصريحات نارية، ولا ضجيج إعلامي، لكن الرسائل كانت واضحة: الوقت ينفد، والمطلوب حسم الخيارات.
زيارة جاءت في لحظة مفصلية، حيث يقف لبنان بين الانهيار أو فرصة الإنقاذ الأخيرة، وبين دولة تمتلك قرارها أو كيان مخطوف بسلاح خارج الشرعية. فماذا دار خلف أبواب اللقاءات الرئاسية؟ ولماذا يقال إن ما بعد زيارة أورتاغوس لن يشبه ما قبلها؟
منذ لحظة وصولها إلى بيروت يوم الجمعة، انطلقت أورتاغوس في جولة لقاءات مكثفة السبت، شملت رئيس الجمهورية جوزاف عون، رئيس مجلس النواب نبيه بري، رئيس الحكومة، نواف سلام، قائد الجيش العماد رودولف هيكل، ووزير الخارجية يوسف رجي، بالإضافة إلى لقاء سياسي بارز مع رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع.
ملفات ساخنة على طاولة البحث
الاجتماع مع الرئيس عون كان لافتاً في مضمونه، إذ وُصف بـ”البنّاء”، وتناول جملة من الملفات الحساسة، من بينها الوضع في الجنوب اللبناني، الحدود اللبنانية-السورية، والإصلاحات الاقتصادية والمالية التي تطالب بها المؤسسات الدولية، لا سيما في سياق مكافحة الفساد واستعادة الثقة بالمؤسسات.
كما أعربت أورتاغوس عن ارتياحها للتدابير الإصلاحية الأولية، خصوصاً تلك التي بدأ تنفيذها في مطار رفيق الحريري الدولي، معتبرة أنها بداية مشجعة رغم الحاجة إلى خطوات أوسع وأكثر جدية.
في السياق الأمني، ناقشت أورتاغوس مع الجانب اللبناني سبل تفعيل القرار الدولي 1701، وآليات دعم الجيش اللبناني لتعزيز سلطته على كامل الأراضي، بالتعاون مع لجنة المراقبة العسكرية، و كما طُرح ملف استكمال الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية، وهو بند لم يُنفذ بالكامل حتى اليوم.
الملف الأخطر: سلاح حزب الله
لكن الأهم في جدول المحادثات كان ملف سلاح حزب الله، الذي شكل محور النقاشات مع الرؤساء الثلاثة، في ظل الموقف الأميركي المتشدد من استمرار وجود سلاح خارج سلطة الدولة.
ورغم اتفاق الرؤساء الثلاثة على وصف اللقاءات بأنها “إيجابية”، فإن مضمونها، بحسب مصادر سياسية، لم يكن متناغماً كلياً مع المواقف السابقة لبعضهم، خصوصاً في ما يتعلق برفضهم ربط تسليم السلاح بالحوار، وميلهم إلى طرح جدول زمني واضح لتنفيذ القرارات الدولية، وعلى رأسها القرارين 1701 و1559.
من الجدير ذكره أن حزب الله لم يلتزم حتى الآن بتسليم سلاحه للجيش اللبناني رغم دخول اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل حيّز التنفيذ في 27 نوفمبر. وبدلاً من ذلك، يستمر الحزب في تأويل القرارات الدولية، زاعماً أن القرار 1701 يطال فقط الجنوب، متجاهلاً أن القرار 1559 ينص صراحة على نزع سلاح جميع الميليشيات في لبنان.
المجتمع الدولي يضيّق الخناق
زيارة أورتاغوس لم تكن مجرد زيارة دبلوماسية، بل أتت ضمن سياق ضغط دولي متكامل، تقوده الولايات المتحدة بدعم أوروبي وعربي، للضغط على الطبقة السياسية في لبنان من أجل تطبيق شروط أساسية للحصول على أي دعم مالي أو استثماري في المستقبل.
وتشير المعطيات إلى أن واشنطن وحلفاءها باتوا موحدين خلف رؤية واضحة: لا استقرار اقتصادي دون إصلاحات، ولا استقرار أمني دون حصر السلاح بيد الدولة.
تحذيرات مبطنة ورسائل واضحة
ورغم أن أورتاغوس لم تُدلِ بأي تصريح علني من القصور الرئاسية، التزاماً بتفاهم غير معلن لتفادي التصعيد، إلا أن فحوى لقاءاتها حمل في طياته تحذيرات مبطنة: الوقت ينفد، ولم يعد لبنان يملك ترف المراوغة.
كما حذّرت أوساط أميركية من أن المماطلة في تنفيذ الإصلاحات أو التلاعب بمضمون القرارات الدولية قد يعرّض لبنان لمزيد من العزلة، وربما لعقوبات مباشرة، إضافة إلى خطر زعزعة الاستقرار الذي قد يُستغل في الداخل والخارج.
مفترق طرق.. والطابة في الملعب اللبناني
بحسب مصادر متابعة، فإن نتائج زيارة أورتاغوس ستبدأ بالظهور خلال أيام، حيث يُتوقع أن تتخذ الولايات المتحدة موقفاً أكثر حدة في حال عدم الاستجابة لمطالبها، خصوصاً تلك المتعلقة بتجريد حزب الله من سلاحه ودعم الجيش اللبناني كمؤسسة أمنية وحيدة في البلاد.
ويبدو أن لبنان يقف اليوم فعلياً أمام “مفترق طرق مصيري”، فإما الالتزام الجاد بمندرجات القرار 1701 والذهاب إلى طاولة تنفيذ لا حوار، أو المخاطرة بالانزلاق نحو حرب مفتوحة قد يدفع الجميع ثمنها، وفي طليعتهم “حزب الله” نفسه.
وفي هذا السياق، يتساءل المراقبون: كيف يمكن جذب استثمارات دولية في ظل بقاء السلاح خارج إطار الدولة؟ وكيف يمكن عقد مؤتمر للمانحين بينما تستمر الانتهاكات للقرارات الدولية بلا رادع؟
زيارة مورغان أورتاغوس إلى بيروت، وإن بدت دبلوماسية الطابع، إلا أنها في جوهرها إنذار واضح بأن الوضع لم يعد يحتمل التأجيل، وأن لبنان أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الانخراط في مشروع إنقاذ شامل عبر التزامات واضحة، أو المضي في طريق العزلة والانهيار.