عروبة الإخباري –
بمناسبة اليوم العالمي للطبيب (30 آذار)، لا بد من الاضاءة على بعض المسائل والنقاط، التي بتتت تهدد هذه المهنة.
وكل التحية والتقدير لكل الاطباء، أنتم يا من نذرتم انفسكم لانقاذ حياة الغير، وتخفيف آلامهم.
أنا لست طبيباً لكن لا أنكر أنني أحب هذه المهنة وأقدّر أصحابها، وكنت أتمنى يوما أن أكون طبيبًا، لما أرى فيها من كنوز العلم وروعة معرفة التكوين البشري، الذي يجعلنا ندرك عظمة الخالق.
لكن شاءت الأقدر أن تسوقني في مجال آخر.
ولا شك أن دراسة الطب هي من أطول الاختصاصات وأصعبها، وكي يصبح أي طالب طبيباً متخصصاً في مجال ما، عليه الجد والاجتهاد والدرس المضني، لمدة لا تقل عن تسع سنوات، بعد الثانوية العامة.
ولهذه الأسباب يفضّل عدد كبير من شباب اليوم، تجنّب السير في هذا الطريق الوعر والشاق، فالانسان مفطور على الكسل والميل إلى الطريق السهل.
صحيح أن الطب مهنة إنسانية، وجمالها في بلسمة الجراح وتخفيف الألم عن المرضى، وعلاجهم وجعلهم يتماثلون إلى الشفاء، ويسعدون في قضاء أوقاتهم، وهم يتمتعون بالصحة الجيدة ودون مكابدة الآلام.
لكن هذا التعب وهذه الإنسانية لا تلقى التقدير اللازم من غالبية الناس، ولا حتى من قبل المرضى انفسهم، وربما فقط يفكر البعض بأهمية وجود الطبيب عندما يتألم، أو يتعرض لاصابة أو مرض ما، ثم ينسى ذلك بعد الشفاء.
لو قارنا بين ما يتقاضاه الأطباء من أجر في معظم دول العالم، وما يتقاضاه من لم يتعلم سوى بعض الخربشات، ولم يقدّم شيئاً للانسانية، لوجدنا الفارق كبيراً، ويميل بشكل كبير لصالح هؤلاء.
فبعض الهوايات والمهن البسيطة، تدرّ المليارات على أصحابها، رغم أن أضرارها عديدة، والجانب الإنساني فيها مفقود.
التجارة بكل أنواعها وضروب الاحتيال والاحتكار والاستغلال للبشر، ينعم أصحابها بثروات ضخمة، ولا أحد يسألهم كيف ولماذا يفعلون ذلك.
وفي التجارة أنواع وضروب وفنون عديدة!
وتجارات التسلية الرائجة بشكل واسع اليوم، من الغناء والرقص والرياضة والتمثيل والاعمال الدعائية وما شابه ذلك، كلها لا تحتاج إلى كتب وسهر وجامعات، ويكفي بعض الجهد ليحصل أصحابها على الشهرة والمال، وربما أيضاً على المناصب السياسية، ويصبحون قادة شعوب وحكام.
لا داعي لذكر مظاهر التفاهة التي باتت تحكم هذا العالم، ويعشقها جمهور المواطنين المنغمسين في السخافات والترهات، فهي كثيرة ومعروفة حتى لدى الجهلاء.
لكن السؤال البديهي والمنطقي، هو إذا كان الشخص لا يبخل بدفع الف دولار أو أكثر لمشاهدة مباراة رياضية، أو حضور حفلة غنائية، فلماذا يرفض أن يدفع مثل ذلك للطبيب الذي يعالجه من مرضه ويخفف آلامه؟؟؟
بعض الدول تضع تعرفة للكشوفات الطبية، بهدف حماية الطبقة الفقيرة، وهذا جيد لكنه يأتي على حساب الأطباء، ولا تتخذ الدول أي إجراءات لتحقيق العدالة الاجتماعية، وانصاف الطبيب الذي غالباً يكون مدخوله لا يوازي شيئًا، بالمقارنة مع مداخيل مغنية أو عارضة أزياء، أو شاب لا يجيد سوى الركل، ويقال له أنه “البطل”.
هذا الواقع يدفع ببعض الاطباء إلى التحايل، وربما الخروج عن آداب المهنة وأخلاقياتها، بهدف تحقيق مزيد من الربح.
ورغم بشاعة هذا السلوك، لكن المجتمع يتحمّل المسؤولية عن ذلك، إلى جانب الدولة التي من أهم واجباتها التدخل لتحقيق العدالة الاجتماعية، وإعادة توزيع الثروة لتحقيق عدالة في الدخل.
أمًا الشعب الذي يطالب بحقه بالطبابة، نراه بغالبيته مشغولاً بالترويج للتفاهات، وترى مليون إعجاب بصورة فتاة كشفت عن مفاتنها، وهي تظن أنها قدمت خدمة جليلة للبشرية، أو لاعب كرة ركل الكرة برأسه بدل رجله، وأدخلها في شباك الخصم، محققاً الهدف وانتصار أمة على أمة أخرى.
فيما لن يقرأ أحد خبر نجاح عمل طبي، انقذ حياة انسان كان على حافة الموت، أو اكتشاف علاج لمرض ما، احتاج إلى آلاف الابحاث وساعات السهر والعمل، لانقاذ البشر وتخليصهم من الألم.
حتى علماء العلوم الذين ساهموا في تطوير التكنولوجيا وتقدم العالم، يستغلهم التجار وأصحاب الشركات، ويجنون المليارات على حسابهم، ونادراً ما يعرف باسم العلماء أحد.
عالم يقوده التجار والسفهاء، وبات مهووساً؛ بلاعب كرة، ومطرب، وضارب طبل، وراقصة، ومصفف شعر، وعارضة أزياء، ويصفق لزعيم يسرق ويكذب ويدفع الناس إلى الخصام والكراهية والحرب، ويُبجّل ثرياً تاجر واحتكر واحتال واستغل الدولة والناس.
شعب لا يهتم بالعلماء والمعلمين والاطباء، ولا بمن يحقق له العدل، أو بمن يسهر على تحقيق الأمن.
هل يستحق الاحترام والتقدير ؟!
شعب يظلم علماءه وقضاته واطباءه ومعلميه وحماته، فما هو مستقبله المرتجى يا تُرى؟