من بين 36 سؤالاً يتضمنها الاستبيان، إليكم خمسة أسئلة مشحونة سياسيًا بطريقة مميزة:
6) “هل لدى منظمتكم سياسة واضحة تحظر أي تعاون، أو تمويل، أو دعم لكيانات تدافع عن، أو تنفذ سياسات تتعارض مع مصالح الحكومة والأمن القومي والسيادة الأميركية؟ [نعم / لا]”
11) “هل يمكنكم تأكيد أن منظمتكم لا تعمل مع كيانات مرتبطة بالأحزاب الشيوعية، أو الاشتراكية أو الشمولية، أو أي حزب يتبنى معتقدات معادية لأميركا؟ [نعم / لا]”
12) “هل يعزز هذا المشروع سيادة الأمم المتحدة من خلال الحد من الاعتماد على المنظمات الدولية أو هياكل الحوكمة العالمية (مثل الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية)؟ [نعم / لا]”
13) “هل يمكنكم تأكيد أن منظمتكم لم تتلق أي تمويل من جمهورية الصين الشعبية (بما في ذلك معاهد كونفوشيوس و/أو أقامت شراكة مع جهات صينية حكومية أو غير حكومية) أو روسيا أو كوبا أو إيران؟ [نعم / لا]”
15) هل يمكنكم التأكيد أن هذا ليس مشروعًا لـ”التنوع، والإنصاف، والشمول” (DEI) أو عدم وجود أي عناصر من مشاريع “التنوع، والإنصاف، والشمول” في المشروع؟ [نعم/ لا]
هل تشعر برعشة الخوف؟ وبالحيرة إزاء ما ينبغي عمله؟ في 11 آذار (مارس)، وفقًا لفيليب موتاز الذي كشف قصة الاستبيان بأكملها، أرسل “مكتب الشؤون القانونية” التابع للأمم المتحدة توجيهًا إلى وكالات الأمم المتحدة في جنيف لمحاولة مساعدتها في الرد على الاستبيان. ووفقًا لموتاز، تم إرسال الوثيقة عبر البريد الإلكتروني من دون عنوان أو توقيع. وقال التوجيه إنه من “الضروري” لجميع المنظمات المستهدفة “اعتماد نهج مشترك لضمان التماسك” في استجابتها وكذلك “الحفاظ على وضع الأمم المتحدة”. بالإضافة إلى ذلك، شجعت نيويورك الوكالات على التأكيد على أهمية التعاون مع الولايات المتحدة، وكذلك التأكيد على علاقاتها التاريخية معها، بما في ذلك الإشارة إلى ميثاق الأمم المتحدة والدور التأسيسي للولايات المتحدة.
كان تجميد ترامب للتمويل قد أرسل بالفعل موجات تسونامي في جميع أنحاء جنيف الدولية. فقد مولت الحكومة الأميركية نحو 47 في المائة من المهمات الإنسانية العالمية العام الماضي. ومن الأمثلة على عواقب الضغط المالي؛ سيقوم “مكتب الهجرة الدولية”، الذي تموله واشنطن بنسبة 40 في المائة تقريبًا، بتسريح 20 في المائة من موظفيه في جنيف، بعد أن كان قد سرّح مسبقًا 6.000 موظف في الميدان. وحذر المدير الإقليمي لآسيا والمحيط الهادئ في “صندوق الأمم المتحدة للأنشطة السكانية” من أنه بين العامين 2025 و2028، من المرجح أن يؤدي غياب الدعم الأميركي في أفغانستان إلى 1.200 حالة وفاة إضافية للأمهات و109.000 حالة حمل غير مقصودة إضافية.
أصبحت الأمم المتحدة مخنوقة بشأن كيفية الرد على الاستبيان. ماذا يجب أن تفعل الوكالات؟ هل تخاطر بعدم الاستجابة؟ قالت العديد من المنظمات غير الحكومية بالفعل إنها لن ترد. لكن الولايات المتحدة، بعد كل شيء، تمول 22 في المائة من الميزانية الإجمالية للأمم المتحدة، وهي النسبة الأكبر من أي بلد آخر. هل يمكن للوكالات أن تخاطر بإلغاء تمويلها أو بانسحاب الولايات المتحدة كما فعلت مع “منظمة الصحة العالمية”؟
في مهرجان أفلام حقوق الإنسان الأخير في جنيف، سألتُ آدم كينزينغر، عضو الكونغرس الجمهوري السابق عن إلينوي: “ماذا يجب أن نفعل بشأن هجوم ترامب”؟ كان أحد الخيارات التي قدمتُها هو عدم القيام بأي شيء، كما اقترح جيمس كارفيل. في مقال رأي، كان تبرير الخبير الاستراتيجي للحزب الديمقراطي هو أن الديمقراطيين لا يستطيعون الفوز في محاربة ترامب مباشرة. بدلاً من ذلك، كما كتب في صحيفة “نيويورك تايمز”، سوف تنفجر ظاهرة ترامب وحدها في النهاية من دون الحاجة إلى مواجهة مباشرة.
لم يتردد كينزينغر، وهو مقدَّم سابق في سلاح الجو قام بمهام في أفغانستان والعراق، في الدعوة إلى المواجهة. واقترح الجمهوري المنشق الذي خدم في لجنة مجلس النواب التي تحقق في هجوم الكابيتول ملاحقة ترامب مباشرة. وبصفته عضوًا سابقًا في الكونغرس، أعطى الأولوية لاجتماعات المدينة للضغط على أعضاء الكونغرس لاتخاذ موقف في الانتخابات النصفية في العام 2026.
تُظهر ردود فعل الحزب الديمقراطي المختلفة على أعمال ترامب وجود انقسامات في الحزب. لم يحضر بيرني ساندرز وألكساندريا أوكاسيو كورتيز خطاب “حالة الاتحاد” الذي ألقاه ترامب. ورفع بعض الديمقراطيين لافتات أثناء إلقاء الخطاب. وصرخ النائب آل غرين وطُرد من الجلسة. ومن ناحية أخرى، أيد زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، ترامب والجمهوريين في مشروع قانونهم للإنفاق.
إذا لم يتمكن الديمقراطيون من الاتفاق على استراتيجية موحدة، فما الذي يجب أن تفعله وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية؟ ما نوع الاستقلالية التي تمتلكها هذه الوكالات؟ مَن هو السيد أو السيدة “تعددية”؟ هل يمكن لداغ همرشولد، أو كوفي عنان، أو كورنيليو سوماروغا مواجهة إيلون ماسك؟ وبإعادة صياغة سؤال ستالين للبابا؛ كم عدد الفرق التي يمتلكها الأمين العام للأمم المتحدة؟
سواء ردت وكالات الأمم المتحدة على الاستبيان أم لا، يغلب أن يكون لذلك تأثير ضئيل على موقف دونالد ترامب تجاه الأمم المتحدة وتعددية الأطراف. وفي حين أن الأفراد داخل الوكالات قد يتصرفون ضد ترامب، فإن مسألة وجود منظمات معينة تتمتع بالاستقلالية كجهات فاعلة فعالة، هي أكثر تعقيدًا. لقد درس الأستاذ في الجامعة الوطنية الأسترالية، توني إرسكين، مرات عدة، وبعمق، السؤال المعقد حول ما إذا كانت المؤسسات تتحمل مسؤوليات. ماذا عن الأمم المتحدة كمؤسسة متعددة الأطراف؟ ليس من السهل على مؤسسة دولية أن تتصدى لبلد عندما يكون أكبر ممول لها.
عندما يقول الناس إن الفاشية لا يمكن أن تحدث أبدًا في الولايات المتحدة، عليهم أن يرجعوا إلى حقبة مكارثي ويروا كيف يعمل الترهيب. كان السؤال البسيط، “هل أنت -أو كنت- عضو في الحزب الشيوعي من قبل”؟ كفيلًا بإثارة الرعب في جيل بأكمله. وطُلب من الملايين من الموظفين الحكوميين التوقيع على قسم الولاء والخضوع لفحوصات الخلفية بموجب برنامج ولاء الموظفين الفيدرالي الذي أصدره الرئيس ترومان في العام 1947.
تفوح من الاستبيان الذي وجهته حكومة الولايات المتحدة إلى المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية رائحة الترهيب الذي ساد في عهد مكارثي -وإنما على نطاق عالمي أوسع بكثير. وقد انتهى عصر مكارثي رسميًا. تم حل “لجنة الأنشطة غير الأميركية”، وإلغاء برنامج الولاء. ولكن، ماذا عن عهد ترامب، والتعددية، والأمم المتحدة؟
*د. دانيال وارنر Daniel Warner: أكاديمي ومفكر بارز في مجال العلاقات الدولية، عُرف بكتاباته حول الأخلاق والمسؤولية في السياسة العالمية. وهو مؤلف كتاب “أخلاقيات المسؤولية في العلاقات الدولية” An Ethic of Responsibility in International Relations، الذي يناقش فيه أهمية الأخلاقيات والمسؤولية في تشكيل القرارات والسياسات الدولية. تميزت أبحاثه بمزج النظرية السياسية بالممارسات الدبلوماسية، حيث ناقش في كتاباته كيفية تحقيق توازن بين المبادئ الأخلاقية والمصالح القومية في العلاقات الدولية. بالإضافة إلى عمله الأكاديمي، أسهم في العديد من المناقشات السياسية والندوات الدولية، وكان له تأثير في النقاشات حول الحوكمة العالمية، القانون الدولي، ودور المؤسسات متعددة الأطراف في تعزيز النظام الدولي القائم على القواعد.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Make the World Scared Again: U.S. Threatens U.N. Agencies