عروبة الإخباري – طلال السكر –
إنَّ المقال الفريد الذي خطَّته الدكتورة العلامة، فلك مصطفى الرافعي، بعنوان “الجديد في ربط الكلام والطعام”، يُلقي الضوء على تقاطعات غير متوقعة بين هذين العنصرين الأساسيين في الحياة البشرية، حيث يتشاركان الممر ذاته، ويؤثر أحدهما على الآخر بطريقة لا تخلو من طرافة وعمق فلسفي. ومن خلال هذا التعقيب، نودُّ أن نستعرض بعض الجوانب التي استوقفتنا في هذا الطرح المبتكر، ونضيف إليها أبعادًا جديدة.
ثنائية الدخول والخروج: الطعام والكلام
يُثير المقال فكرة أنَّ الطعام والكلام يشتركان في طريق واحد، وإن كانا يسيران في اتجاهين متعاكسين؛ فالأول يدخل الجسد ليغذيه، والثاني يخرج منه ليعبِّر عن الأفكار والمشاعر. وهذا التفاعل المستمر بين الداخل والخارج، بين الاحتياج والإشباع، بين التعبير والصمت، يجعل العلاقة بينهما أكثر تعقيدًا مما تبدو عليه للوهلة الأولى. فمن يأكل كثيرًا قد يفقد لياقته في التعبير، ومن يتحدث بإفراط قد يُهمل حاجته للتغذية المتوازنة.
الصيام بين الامتناعين: غذاء الجسد والروح
طرح المقال فكرة أنَّ الامتناع عن الطعام في الصيام يقترن أحيانًا بالامتناع عن الكلام، كما هو الحال في بعض الممارسات الدينية. هذا الترابط يُبرز أنَّ الصمت يمكن أن يكون غذاءً للروح كما أنَّ الطعام غذاءٌ للجسد. وفي هذا السياق، نلمس كيف أنَّ التوازن بين السكوت والكلام، كما بين الجوع والشبع، هو مفتاح الانسجام الداخلي للإنسان.
الطعام وتأثيره على سلوك الإنسان وكلامه
تناول مقال، د. فلك الرافعي، على أن دراسة هولندية تشير إلى تأثير البيض وبعض الأطعمة الغنية بحمض التربتوفان على سلوك الإنسان، حيث تجعله أكثر كرماً وإيجابية، بل وقد تؤثر على جودة كلامه وتفاعله الاجتماعي. إنَّ هذا الجانب يفتح آفاقًا واسعة لدراسة العلاقة بين النظام الغذائي والأداء العقلي واللغوي، وهو مجال قد يحمل مستقبلاً تطبيقات عملية، سواء في تحسين الحوار المجتمعي أو تعزيز جودة التواصل البشري.
الكلام والطعام في سياق الحاجة والفقر
إحدى الأفكار اللافتة التي أثارتها الدكتورة فلك الرافعي، في المقال هي العلاقة بين الجوع والحديث، فحين تكون المعدة خاوية، يتخذ الكلام منحىً مختلفًا، وربما يكون أكثر قسوة ومرارة. هنا، يصبح الطعام ليس مجرد وسيلة للبقاء، بل أداة لصياغة واقع اجتماعي أكثر عدلاً. فإشباع الجوعى قد يؤدي إلى تهدئة الأصوات الصاخبة الناتجة عن الحاجة والحرمان.
التكنولوجيا بين ترجمة الكلام والجوع
تناول المقال الاختراع الليتواني المتمثل في خوذة قادرة على ترجمة الأفكار إلى كلام، وربطها بالحالة الغذائية لصاحبها. ورغم أنَّ هذا الابتكار يحمل آفاقًا واعدة، إلا أنَّه يكشف أيضاً عن حساسية العلاقة بين الاحتياجات البيولوجية والقدرة على التواصل. فالجوع، الذي قد يُضعف التفكير، يمكن أن يُترجم إلى صمت أو كلام غير متزن، مما يعكس مدى تأثير الغذاء على التفاعل الاجتماعي وحتى على وسائل التواصل المستقبلية.
هل نحن أمام اتحاد فيدرالي بين الطعام والكلام؟
اختتمت الدكتورة العلامة فلك مصطفى الرافعي، مقالها بإشارة ساخرة إلى أنَّ العالم العربي يعاني من كثرة الكلام والإفراط في الطعام، ما يدفع للتساؤل إن كان مصيرهما التوحّد في المستقبل كتعويض عن الوحدة السياسية بين الشعوب. هذه الرؤية تحمل في طياتها بعدًا نقديًا عميقًا يعكس الواقع الاجتماعي والسياسي، حيث يُستهلك الكثير من الموارد في الكلام غير المنتج، كما يُهدر الكثير من الطاقات في عادات غذائية غير صحية.
بدون أدنى شك على إنَّ هذا المقال يفتح الباب أمام مزيد من البحث في هذه العلاقة العميقة بين الطعام والكلام، ليس فقط من الناحية البيولوجية، بل أيضًا من المنظور الاجتماعي والثقافي. فكما أنَّ الكلام مسؤولية، كذلك الطعام، وكلاهما يحتاج إلى توازن يضمن حياة أكثر صحة ووعيًا.