عروبة الإخباري –
في خطوة أثارت الجدل، أبلغت دمشق الوفد الأمني اللبناني الذي كان يستعد لزيارتها، والمكوّن من وزير الدفاع ميشال منسى، والمدير العام للأمن العام اللواء حسن شقير، ومدير المخابرات في الجيش العميد طوني قهوجي، بتأجيل اللقاء إلى موعد لاحق. جاء هذا القرار في وقت حساس سياسيًا وأمنيًا، حيث كانت الملفات المشتركة بين البلدين تستدعي نقاشًا عاجلًا، مما يطرح تساؤلات حول الدوافع الحقيقية لهذا التأجيل.
تبريرات دمشق وتوقيت القرار
بحسب الرواية الرسمية السورية، فإن تأجيل الزيارة مرتبط بانشغال الحكومة السورية بتشكيل إدارة جديدة، تشمل تعيين وزير دفاع جديد، وهو ما يتطلب انتظار اكتمال التشكيلة الوزارية لضمان إجراء مباحثات أكثر رسمية وفاعلية. ومع ذلك، فإن هذا التبرير لم يبدُ مقنعًا للعديد من الأوساط اللبنانية، خصوصًا وأن الزيارة كانت قد نوقشت مسبقًا بين الرئيس اللبناني العماد جوزف عون ونظيره السوري أحمد الشرع خلال القمة العربية الأخيرة في القاهرة، فضلًا عن الاتصالات التي جرت بين الطرفين في ظل تصاعد التوتر على الحدود.
التوترات الأمنية والخلافات الحدودية
يبدو أن القرار السوري لم يكن مجرد مسألة إدارية، بل يعكس توترًا أمنيًا متزايدًا بين البلدين، لا سيما بعد الاشتباكات الحدودية الأخيرة. فقد شهدت منطقة ريف القصير وحوش السيّد علي مواجهات عنيفة بين الجيشين اللبناني والسوري، إضافة إلى تدخل العشائر اللبنانية، ما زاد من تعقيد المشهد. وأفادت التقارير بأن دمشق مستاءة من أداء الجيش اللبناني في هذا السياق، حيث تُتهم بعض عناصره بدعم حزب الله في عملية استهدفت مجموعة من الجنود السوريين غرب حمص، أدت إلى اختطافهم وتصفيتهم داخل الأراضي اللبنانية، وهو ما نفاه الجيش اللبناني، مؤكدًا التزامه بالحياد.
ملف النزوح السوري.. نقطة خلاف أخرى
إلى جانب الملفات الأمنية، يشكّل النزوح السوري عقبة أساسية أمام تحسين العلاقات الثنائية. ففي حين تسعى الحكومة اللبنانية إلى تسريع عودة اللاجئين بسبب الضغوط الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة، لا تعتبر دمشق أن الوقت مناسب لطرح هذا الملف، مشيرة إلى أنها تواجه تحديات داخلية أكثر إلحاحًا، من بينها استعادة ودائع السوريين المجمدة في الخارج.
الوساطة السعودية.. هل تنجح في تقريب وجهات النظر؟
وسط هذه التوترات، برزت المملكة العربية السعودية كلاعب دبلوماسي يسعى إلى تقريب وجهات النظر بين الطرفين. فقد دعت الرياض وزيري دفاع البلدين إلى اجتماع في جدّة، على أن تكون الضامنة لأي اتفاق مستقبلي ينظّم العلاقة الثنائية، وهو تطور قد يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التفاهمات.
يؤكد تأجيل الزيارة أن العلاقات اللبنانية-السورية ما زالت محكومة بحسابات معقدة تتجاوز الأطر الدبلوماسية التقليدية. فبينما يسعى لبنان إلى حل سريع للملفات العالقة، ترى دمشق أن الأولويات مختلفة، وأن الملفات العالقة تحتاج إلى ترتيب سياقاتها قبل الخوض في تفاصيلها. في ظل هذه المعطيات، يبقى السؤال مفتوحًا: هل ستتمكن الجهود الإقليمية من كسر الجمود القائم، أم أن الخلافات ستظل عائقًا أمام أي تقارب محتمل بين الجانبين؟